الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.

قال ابن عباس: " قوله: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } ، منسوخة بقوله: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }.

ومعنى قوله: " إنها منسوخة " ، أي نزلت على نسختها لأنها خبر، والأخبار لا تنسخ.

وقد قيل: إن الآية محكمة، وإن المؤمن والكافر يحاسبان بما أبديا وأخفيا، فيغفر للمؤمن، ويعاقب الكافر.

وقيل: إن الآية مخصوصة في كتمان الشهادة خاصة وإظهارها.

روي ذلك عن ابن عباس.

وروي عن عائشة أنها قالت: / " ما هَمَّ به العبد من خطيئة عوقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا ".

قال ابن عباس " إذا جمع الله الخلائق يقول: أنا أخبركم بما أكننتم في أنفسكم. فأما المؤمنون فيغفر لهم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من شكهم وتكذيبهم، فذلك قوله: { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ }.

قال ابن عباس: " لما نزلت هذه / الآية وقع في قلوبهم شيء، فقال لهم النبي عليه السلام: " قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " ، فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنْزَلَ: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى { أَوْ أَخْطَأْنَا }. قال: " قَدْ فَعَلْتُ " { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } ، قال: " قَدْ فَعَلْتُ " ، { وَٱعْفُ عَنَّا } إلى آخر السورة. قال: قَدْ فَعَلْتُ ".

وقال السدي: " وقعت عليهم شدة عند نزول: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } حتى نسخها ما بعدها ".

أي أزالت الشدة، من قولهم: " نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ " أي أزالته.

{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

أي يقدر على العفو لما أخفته نفس المؤمن، وعلى العقاب فيما أخفته نفس الكافر من الكفر والشك في الدين.

وقال حذيفة: " سمعت النبي عليه السلام يقول: " أُعْطِيتُ آيَاتٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلاَ يُعْطَاهَا أَحَدٌ مِنْ بَعْدِي، ثم قرأ: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } حتى ختم السورة ".

وروى أبو هريرة أنه: " لما نزلت على النبي عليه السلام هذه الآية: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وسمعوا فيها: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب فقالوا: " لا نطيق، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع، فأنزل الله: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } إلى آخرها.

وقال محمد بن كعب القرظي: " ما بعث الله نبياً إلا أمره أن يعرض على قومه، { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله: { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } إلا قالوا: لا نطيق أن نؤاخذ بما نوسوس في قلوبنا، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أنزلها عليه فآمن بها، وعرضها على قومه، فآمنوا بها، وقالوا: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } ، قال: فخفف الله عنهم، فأنزل: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ }.

السابقالتالي
2 3 4