قوله: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ } الآية. معناها: الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة إذا بعثوا من قبورهم إلا مثل قيام المجنون. والمس: الجنون. قاله مجاهد وقتادة وابن جبير وغيرهم؛ قالوا: " يقوم الخلق من قبورهم مسرعين كما قال تعالى:{ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً } [المعارج: 43] إلا أكلة الربا، فإن الربا يربو في بطونهم فيقومون ويسقطون، يريدون الإسراع فلا يقدرون، فهم بمنزلة المتخبط من الجنون ". قال ابن جبير: / " يبعث أحدهم حين يبعث، وشيطان يخنقه ". والقصد بالنهي في هذه الآية: كل من أخذ الربا أكله أو لم يأكله. وكان أهل الجاهلية إذا حل على أحدهم الأجل في دين / عليه، يقول الذي عليه الدين: " زِدْنِي فِي الأَجَل وَأَزِيدُكَ فِي دَيْنِكَ " ، فنهى الله عن ذلك، وقال:{ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 278-279]. وأصل الربا الزيادة، وهو في التجارة والبيع والشراء جائز إذا كان على وجهه الذي قد بينته السنة والكتاب. فأصل الربا المحرم أن يقول الذي عليه الدين: " أَخِّرْنِي وَأَزِيدَكَ فِي دَينك " ، ثم جرى مجراه كل ما شابهه في البيوع والدين، وغير ذلك مما قد أحكمته السنة وفسره العلماء. وقد روى محمد بن كعب القرظي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبَا ". قوله: { فَلَهُ مَا سَلَفَ }. أي ما أكل وأخذ قبل مجيء الموعظة فذلك مغفور له. { وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ }. أي في المستقبل، إن شاء ثبته وإن شاء رده إلى ما نهاه عنه. والموعظة: القرآن. ومن عاد فعمل بالربا حتى يموت فأولئك أصحاب النار. قال ذلك سفيان. وقال غيره: " من عاد فقال: إنما البيع مثل الربا، وتمادى عليه، فهو من أصحاب النار ".