الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ }. [إلى قوله: { ٱلْمُتَّقُونَ }.

هذه الآية عند قتادة وغيره نزلت في أهل الكتاب. كتموا ما أنزل الله عز وجل في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس: " هم اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه طمعاً قليلاً ". وهو قول السدي والربيع.

وقال عكرمة في هذه الآية وفي قوله:إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [آل عمران: 77]: نزلت جميعاً في يهود ".

قال ابن مسعود: / " قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْطَعُ بِها مالاً لَقِيَ اللهَ، وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانٌ " وتصديقه في كتاب الله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }.

ومعنى { يَشْتَرُونَ } يبتاعون به.

والهاء في: " به " تعود على الكتمان، أي: وابتاعوا بكتمانهم ما أنزل الله عز وجل في كتابهم / من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم.

{ ثَمَناً قَلِيلاً }: أي: أخذوا عليه طمعاً قليلاً، أي: أخذوا الرشوة وكتموا ما أنزل الله عز وجل وبدلوه وحرفوه.

ثم قال تعالى: { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ }.

أي: ما يأكلون في بطونهم من الرشا إلا ما يؤديهم إلى النار، ومثله:إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10] أي: ما يوردهم النار. فاستغنى في الآيتين بذكر النار لفهم السامعين المعنى لأنه لما كان ما يأكلون من الطيبات بالرشا يوردهم النار كانوا كأنهم يأكلون النار. وإنما قال { فِي بُطُونِهِمْ } ، وقد علم أن الأكل لا يكون إلا في البطن لأن العرب تقول: " جُعْتُ فِي غَيْرِ بَطْنِي " و " شَبِعْتُ في غَيْرِ بَطْنِي ". فقيل في الآية: { فِي بُطُونِهِمْ } / للفرق والتأكيد.

وقوله: { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }.

أي: لا يكلمهم بما يحبون ولا بما يشتهون، ويكلمهم بما يكرهون لأنه قد أخبر بأنه يقول لهمقَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108] وقيل: معنى { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ }: يغضب عليهم. يقال: " فُلانٌ لا يُكَلِّمُ فُلاناً " إذا غضب عليه.

وقيل: المعنى: لا يسمعهم كلامه لأن الأبرار يسمعون كلامه.

وقيل: معناه: لا يرسل لهم الملائكة بالتحية.

وقوله: { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ }: أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم.

{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }: أي موجع.

ثم قال تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ }.

أي: أولئك الذين أخذوا الضلالة، وتركوا الهدى، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة، وتركوا ما يوجب لهم عفوه. فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة عن ذكر السبب الذي يوجبهما لفهم سامعي ذلك.

ثم قال تعالى: { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ }.

السابقالتالي
2 3 4