قوله: { وَهُمْ يَعْلَمُونَ * ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } إلى قوله: { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }. أي: هذا الحق من ربك. { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي: لا تكونن من الشاكين أن القبلة التي وجهت إليها هي الحق وهي قبلة إبراهيم والأنبياء غيره صلوات الله عليهم. وهذا خطاب للنبي [عليه السلام] والمراد به أمته. ثم قال تعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا }. " هو " يرجع إلى " كُلٍّ ". والهاء في " مُوَلِّيها " ترجع إلى القبلة. وقيل: " هُوَ " يرجع إلى الله جل ذكره. فأما من قرأ " هو مُوَلاَّها " ، فهو يرجع إلى " كُلٍّ " لا غير. قال مجاهد: " معناه: ولكل صاحب ملة قبلة ". يعني لليهود قبلة وللنصارى قبلة. قال ابن عباس: " يعني بذلك أهل الأديان؛ لكل أهل دين قبلة يرضونها. ووجهة الله عز وجل حيث توجه المؤمنون ". وقال الضحاك: " معناه ولكل صاحب ملة قبلة، وصاحب القبلة يولِّيها وجهه ". وقال السدي: " المعنى ولكل قوم قبلة قد ولّوها ". والمعنى عند أهل العربية، هو موليها نفسه / أو وجهه. فأما من قرأ: " مُوَلاَّهَا " فالضمير على هذه القراءة لواحد، أي: ولكل واحد من الناس قبلة، الواحد مولاها، أي: مصروف إليها. وقال الأخفش: " المعنى: موليها الله إياه على ما يزعمون " / يريد على قراءة موليها. وقال علي بن سليمان: " المعنى هو متوليها، والوجهة والجهة والوجه واحد ". وعن قتادة في قوله: { هُوَ مُوَلِّيهَا } ، قال: " هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة ". فيكون التقدير على هذا: ولكل ناحية وَجَّهَكَ إليها ربُّك يا محمد قبلةُ الله مولِّيها عباده ". وهو قول الأخفش الذي تقدم. ومعنى " مولِّيها " مول وجهه إليها ومستقبلها. وقال الطبري: " التولية في الآية للكل، ووُجدت للفظ " كل " ، قال: " فمعنى الكلام: ولكل أهل ملة وجهة، الكل موليها وجوههم. قال: وأما قراءة ابن عامر فمعناه: هو موجَّه نحوها، ويكون الكل حينئذ غير مسمى فاعله، ولو سمي فاعله لكان الكلام: ولكل ذي ملة وجهة، الله موليها إياه بمعنى موجهه إليها. ورويت قراءة شاذة بإضافة " كل " إلى " وجهة " ، وهي قراءة / لا تجوز لأنه لا فائدة في الكلام إذا لم يتم الخبر ". ولو ثَنيتَ على قراءة الجماعة لقلت: " هُمَا مُوَلِّياهَا " ، وفي الجمع [هُمْ مَوَلُّوهَا] وعلى قراءة ابن عباس / في التثنية " هُمَا مُوَلَّياهَا ".