قوله: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } إلى قوله { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }. أي واذكروا إذ قال له ربه أسلم، أي أخلص لي العبادة والطاعة. { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: أي قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم [و] على محمد مجيباً لربه عز وجل: خضعت بالطاعة وأخلصت العبادة لِمالِك جميع الخلق. ومدبرهم. ويجوز أن يكون العامل في: { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ } أي ولقد اخترناه في الدنيا إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت، وهذا كان منه حين قال:{ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [الأنعام: 78-79]. قال الطبري: " وذلك في الوقت الذي قال له ربه فيه: أسلم، من بعد ما امتحنه بالكوكب والقمر والشمس ". ثم قال تعالى: { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ }. أي: وأوصى بقوله: { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إبراهيم - صلى الله عليه وسلم [و] على محمد - بنيه، وأوصى بها يعقوب صلى الله عليه وسلم [و] على محمد [بنيه]. والهاء في " بها " تعود على كلمة الإسلام وهي قوله: { أَسْلَمْتُ }. وقيل: تعود على الملة، وكلمة الإسلام أقرب إليها. [وقيل: بل] أوصاهم باتباع الملة، فـ " يعقوب " على هذا معطوف على " إبراهيم ". وقيل: إن يعقوب مرفوع بإضمار فعل. والتقدير " وقال يعقوب: يا بني إن الله ". والمعنى في " أَوْصَى " عهد إليهم بذلك، وأمرهم به. قال ابن عباس: " وصّاهم بالإسلام ". وفي التشديد في " وصَّى " معنى تكرير الوصية. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ }. معناه: اختاره لكم. ودخلت الألف واللام في " الدين " لتقدم علمهم به وتكرير الوصية عليهم. ثم قال: { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }. أي: فاتقوا الله أن تموتوا إلا على الإسلام. والمعنى: لا تفارقن هذا الدين أيام حياتكم لأن أحداً لا يدري متى تأتيه منيته، فلذلك قال لهم: لا تموتن إلا وأنتم مسلمون، لأنكم لا تدرون متى يأتيكم الموت، ولم ينههم عن الموت / لأن ذلك ليس إليهم. وقيل: المعنى: الزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين. وعرف المعنى كما عرف في قول العرب / " لا أَرَيَنَّكَ هَا هُنَا ". فالنهي في اللفظ للمتكلم، وفي المعنى للمتكلم أي: لا تكن ها هنا، فإنه من يكن ها هنا أراه. قال الأخفش: " { بَنِيهِ } ، قطع، ثم يبتدئ: { وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ } ، أي: وقال يعقوب: يا بني ". وقال أبو حاتم وغيره: " الوقف { وَيَعْقُوبُ } ، ثم يبتدئ { يَابَنِيَّ } ". أي: وقال كل واحد منهما: { يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ }. ثم قال: " عز وجل { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ }.