ثم قال تعالى: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }. أي: ومن يزهد في دين إبراهيم الحنيفية المسلمة إلا من سفه نفسه ورغب عن ملته. واتخاذ اليهودية والنصرانية بدعة ليست من عند الله، هذا معنى قول قتادة والربيع. وقيل: المعنى: ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا سفيه جاهل بموضع حظ نفسه فيما ينفعها ويضرها في معادها. قال ابن زيد: " { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }: معناه من أخطأ حظّه ". ومذهب الفراء أن " نفسه " منصوب على التفسير مثل " ضِقْتُ بهِ ذَرْعاً ". قال: وهو من المعرفة كالنكرة، ولا يجوز أن يكون التمييز / معرفة عند البصريين ومثلها عنده:{ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [القصص: 58]. ولا يجوز عند الفراء التقديم. وقال الكسائي وهو أحد قولي الأخفش - / المعنى: إلا من سفه في نفسه، فلما حذف الحرف نصب. ويُجيزان التقديم. ومذهب أهل التأويل أن معناه: سفه نفسه. فهو مفعول به. وقال يونس: " أراها لغة ". وقال أبو عبيدة: " معناه: [أهلك نفسه ". ومذهب] البصريين أنه مثل: " ضرب فلان الظهر والبطن " أي: في الظهر [والبطن] فلا حذف في نصبه. كذلك معناه: سفه في نفسه، ثم نصب لما حذف " في ". " وقال الزجاج ": معناه: جهل نفسه ". فهو مفعول به عنده بجهل " أي: لم يفكر في نفسه. فالسفه والجهل سواء. وقيل: التقدير إلا من جهل رأي نفسه وقول نفسه، ثم حذف، مثل: /{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]. وقيل: التقدير، إلا من جهل قولُه نفسه، ثم حذف المؤكد وأقام التوكيد مقامه. ثم قال { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا }. أي اخترناه للخلة والإمامة. [ثم قال]. { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }. أي: وإن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لمن المؤدين حقوق الله. وتقدير تعلق حرف الجر: " وإنه صالح، في الآخرة، لمن الصالحين " ، ثم حذف. وقيل: إنه متعلق بالصالحين، والألف واللام ليستا بمعنى " الذي " ، ولكنه اسم على حدته كالرجل والغلام.