الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

وقوله: { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }.

أي: خاضعين لأمرك، مستسلمين لك، لا نشرك معك في الطاعة أحداً، فالمسلم الذي قد استسلم لأمر الله [عز وجل]. والمؤمن هو الذي أظهر القبول لأمر الله سبحانه فأضمر مثل ذلك.

فأما قوله:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [الحجرات: 14]. فمعناه ولكن قولوا: خضعنا وأظهرنا الإسلام. فالمسلم على ضربين: مسلم أظهر مثل ما أضمر / فهذا مؤمن مسلم، ومسلم يظهر غير ما يبطن، فهذا غير مؤمن. إنما هو مستسلم في الظاهر ولذلك قال لهم:وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] أي: إنما أظهرتم الإسلام خشية القتل، ولم يدخل في قلوبكم منه شيء.

وقوله في الدعاء: { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ }.

دخول " مِنْ " يدل على التخصيص لبعض الذرية، لأن الله تعالى قد أعلم إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن من ذريته من لا يناله عهده لظلمه وفجوره. فخص إبراهيم عليه السلام بدعوته، ولم يعم لما تقدم عنده من الخبر عن الله تعالى.

والأمة هنا عني بها الجماعة.

وتكون الأمة الإمام كقوله في إبراهيم صلى الله عليه وسلمكَانَ أُمَّةً } [النحل: 120]، أي: إماما يقتدى به.

وتكون الأمة السنين كقوله:وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ } [هود: 8]، أي: إلى سنين.

وتكون الأمة الملة كقوله:إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [الزخرف: 22]. أي: على ملة ودين.

وقيل: الأمة هنا محمد وأمته صلى الله عليه وسلم.

[قوله] / { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ }.

يعني [محمداً عليه السلام].

وقول إبراهيم وإسماعيل: { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } يدل على أن الإسلام والإيمان سواء، إذ لم يسألا إلا أعلى الرتب وأشرف المنازل، وهو الإيمان الذي هو الإسلام.

[قال] مالك: " لما وقف إبراهيم على المقام أوحى الله إلى الجبال أن تأخري عنه، فتأخرت حتى أراه موضع المناسك وهو قوله: { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ } إلى قوله: { لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }. معناه أظهر لأعيننا مكان المناسك ان جعلته من رؤية العين.

وقيل: معناه عَلِّمناها وعَرِّفناها.

والمناسك: مناسك الحج ومعالمه.

وقال قتادة: " فأراهما / الله مناسكهما بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة والإفاضة من عرفات، ومن جمع، ورمي الجمار حتى أكمل لهما الدين ".

/ قال السدي: " لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى محمد من بنيان البيت، أمره الله [أن] ينادي، فقال:وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } [الحج: 27]، فنادى بين أخشبي مكة: يا أيها الناس، إن الله يأمركم أن تحجوا بيته. قال: فوقرت في قلب كل مؤمن، فأجابه كل شيء سمعه من جبل أو شجر أو دابة: لبيك، لبيك - أجابوه بالتلبية -: لبيك اللهم لبيك، فأتاه من أتاه.

السابقالتالي
2 3