الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } * { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }

قوله تعالى ذكره: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ } إلى قوله { وَأَضْعَفُ جُنداً }.

المعنى: أن الكفار من قريش كانوا إذا تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم آيات القرآن، قالوا للذين آمنوا (أي الفريقين منا ومنكم خير مقاماً) أي: خير موضع إقامة، وهي مساكنهم " وأحسن ندياً " أي [مجلسا].

يتركون التفكير في آيات الله والاعتبار بها ويأخذون في التفاخر بحسن المسكن وحسن المجلس.

قال ابن عباس: " المقام " المسكن. و " الندي " المجلس.

يقال: ندوت القوم أندوهم ندواً، إذا جمعتهم في مجلس [واحد]. ومنه دار الندوة المتصلة بالمسجد الحرام، لأنهم كانوا يجتمعون فيها إذا كربهم أمر. ومنه قوله:وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } [العنكبوت: 29] ومنهفَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } [العلق: 17] أي أهل مجلسه. ويقال: هو في ندي قومه، وفي ناديهم بمعنى: مجلسهم وندي: جمع أندية.

ثم قال تعالى ذكره: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ }. أي: وكثيراً يا محمد أهلكنا من القرون هم أحسن أثاثاً ورِئْيا قبل هؤلاء القائلين للمؤمنين: أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً.

قال ابن عباس: " الأثاث ": المتاع. " والرئي: المنظر.

أي: أحسن متاعاً وأحسن مرئى ومنظراً من هؤلاء فأهلك الله أموالهم، وأفسد صورهم وكذلك قال ابن زيد ومجاهد: " الأثاث ": المتاع و " الرئي ": المنظر.

وقال معمر: أحسن أثاثاً: أحسن صوراً. ورئياً: أموالاً.

وروي عن ابن عباس: " أحسن أثاثاً وزياً " بالزاي.

وقرأ طلحة " ورياً " خفيفة الياء من غير همز.

ومن شدد الياء، جعله من رأيت، ولكن خفف الهمزة، فأبدل وأدغم. ويجوز أن يكون من رويت روية ورياء فيكون معناه أيضاً منظراً، لأن العرب تقول: ما أحسن روية فلان في هذا الأمر؟.. إذا كان حسن النظر فيه، والمعرفة به.

ويجوز أن يكون من ري الشارب. فيكون المعنى أن جلودهم مرتوية من النعمة.

وأجاز الأخفش أن يكون من ري المنظر.

ومن همز جعله من رؤية العين.

" والأثاث " جمع واحده أثاثة كالحمام والسحاب. هذا مذهب الأخفش.

وقال الفراء: لا واحد له كالمتاع.

ثم قال تعالى: { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً }.

أي: قل يا محمد لهؤلاء القائلين - إذا تتلى عليهم آياتنا بينات - أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً من كان منا ومنكم في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً. فهو لفظ أمر، ومعناه الخبر. أي جعل الله جزاء ضلالته في الدنيا أن يطول له فيها، ويمد له كما قال تعالى:وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110]. لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كأن المتكلم يلزمه نفسه، كأنه يقول: أفعل ذلك وآمر نفسي به، فهو أبلغ.

السابقالتالي
2