الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }

قوله تعالى ذكره: { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ } إلى قوله: { نَسْياً مَّنسِيّاً }.

أي: قال: الأمر كما قيل لك، أن الله يهب لك غلاماً زكيا.

{ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي: سهل.

{ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } أي: ولنجعل هذا الغلام حجة على الناس { وَرَحْمَةً مِّنَّا }.

أي: ورحمة منا لك، ولمن آمن به.

{ وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }.

أي: كان خلقه منك بغير ذكر أمراً قد قضاه الله في سابق علمه أنه يكون على ذلك.

ثم قال تعالى: { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً }.

في الكلام حذف، تقديره: فنفخنا فيها من روحنا بغلام { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ } أي: اعتزلت به مكاناً قصياً، أي: متباعداً عن الناس [نائيا]، وهو بيت لحم، أقصى الوادي. فنظرت إلى أكمة /، فصعدت عليها مسرعة، وإذا على الأكمة جذع نخلة، فاستندت إلى الجذع. وهو قوله: { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ }. فجزعت عند شدة الولادة، وخوف ما يقول الناس، فقالت: { يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }. فسمع جبريل صلى الله عليه وسلم كلامها، فناداها من تحتها { أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي: جدولاً، وهو النهر الصغير. ثم قال لها: { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } ، فعجبت من قول جبريل صلى الله عليه وسلم، لأنه كان جذعاً قد نخر ليس فيه سعف، فلما هزته، نظرت إلى السعف قد أطلع من بين أعلى الجذع، وقد أخضر، ونظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف أبيض، ثم نظرت إليه قد اخضرّ بعد البياض، فصار بلحاً، ثم نظرت إلى البلح قد احمرّ بعد الخضرة، ثم نظرت إليه قد صار بسراً، ثم نظرت إلى البسر قد احمرّ، ثم نظرت إليه قد صار رطباً، وكذلك كله في أقل من ساعة.

وقيل: كان ذلك كله في أقل من طرفة عين. فجعلت الرطب تسقط بين يديها، فطابت نفسها لما رأت من الآيات.

قال وهب بن منبه: " نفخ جبريل صلى الله عليه وسلم في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم. قال وهب: لما قال لها جبريل { قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها وانصرف عنها ".

وقال السدي: " فخرجت وعليها جلبابها لما قال لها جبريل عليه السلام ذلك، فأخذ كمها، فنفخ في جيب درعها وكان مشقوقاً من قدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها - امرأة زكريا - تعودها، فلما فتحت لها الباب، التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم، أشعرت أني حبلى؟ قالت مريم: أشعرت أيضاً أني حبلى؟ قالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك. فذلك قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3