الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }

قوله { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } إلى قوله: { عُسْراً }.

أي قال: موسى للخضر هل أتبعك على أن تعلمني مما علمك الله رشداً إلى الحق ودليلاً على الهدى. قال: له الخضر: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي إني أعلم بباطن علم علمنيه الله [عز وجل] ولا تعلم أنت إلا بالظاهر من الأمور فلا تصبر على ما ترى مني لأن أفعالي بغير دليل في رأي العين. قال: موسى: { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً } [أي اصبر] على ما أرى منك وإن كان خلافاً لحكم الظاهر، { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } أي [و] أنتهي إلى ما تأمرني وإن كان مخالفاً لهواي.

وفعل موسى [صلى الله عليه وسلم] في هذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد ترك طلب العلم [و] الازدياد منه والرحلة فيه وإن كان قد / بلغ فيه مبلغه. ويدل على وجوب التواضع لمن هو أعلم منه.

قال الخضر لموسى: { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } أي: إن رأيت ما تنكر فلا تسئلني وتعجل علي بالسؤال حتى أبين لك وجهه وشأنه.

{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا }.

أي: انطلق موسى والخضر يطلبان السفينة يركبانها فأصاباها فلما ركبا فيها خرق الخضر السفينة، فأنكر ذلك موسى وقال: { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }.

أي: شيئاً منكراً عظيماً.

ويروى أن موسى عليه السلام حين رآه يخرق السفينة التزمه، وذكره الصحبة، وناشده الله والصحبة فأكب الآخر عليها يخرقها. فلما خرقها ودخل الماء فيها جلس موسى مهموماً محزوناً وقال: { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } الآية.

وقال: قتادة { إِمْراً }: عجباً. فأنكر عليه موسى ما رأى، وذلك أنه لم يعلم أنه نبي. وقيل قد علم أنه نبي ولكن نسي. قال: أبو عبيدة إمراً: داهية.

وقيل: سمي الخضر خضراً لأنه كلما صلى في مكان اخضرّ ما حوله.

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمي الخضر خضراً لأنه جلس على ربوة بيضاء فاهتزت خضراً " فقال: له الخضر: { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } لأنك ترى ما لا تعلم. قال: له موسى: { لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }. قال: أبي بن كعب: لم ينسَ موسى ولكنها من معار[يـ]ـض الكلام. وقال: ابن عباس: لم ينسَ، وإنما ترك العهد. فالمعنى لا تؤاخذني بتركي عهدي. ألا أسألك عن شيء حتى تحدث لي منه ذكراً.

وقيل: إنه نسي فاعتذر ولم ينس في الثانية ولم يعتذر، وعن النبي عليه السلام أنه قال " كانت الأولى من موسى نسياناً " ، ومعنى " لا ترهقني " لا تكلفني عسراً. وقيل لا تغشني عسراً.

وقيل: المعنى عاملني باليسر لا بالعسر. وقيل معناها لا تضيق علي.