الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }

قوله: { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ } إلى قوله: { فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }.

المعنى: وتلك القرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة وغيرهم أهلكنا أهلها { لَمَّا ظَلَمُواْ } أي: كفروا بالله [عز وجل] وآياته [سبحانه].

{ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }.

أي: وجعلناه لوقت إهلاكهم أي لوقت هلاكهم موعداً، لا يتجاوزونه، أي أجلاً ووقتاً. فكذلك جعلنا لهؤلاء المشركين موعداً لإهلاكهم لا يتجاوزونه.

وتقدير الآية: أولئك أهل القرى أهلكناهم لما ظلموا، ثم حذف المضاف. مثلوَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]، وهنا الضمير في إهلاكهم على أصله، يعود على المحذوف وعمد للإشارة فقيل: تلك لما صارت للقرى.

ثم قال: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }.

أي: واذكر يا محمد إذ قال: موسى لفتاه يوشع بن نون [و] كان يلازم موسى ويخدمه. وهو ابن اخته، وهو يوشع بن نون ابن فزائـ[ـيـ]ـل بن يوسف بن يعقوب.

والمعنى أنه قال: ليوشع لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، يعني اجتماع بحر فارس وبحر الروم [فبحر الروم] مما يلي المغرب، وبحر فارس مما يلي المشرق، قاله قتادة ومجاهد.

ومعنى { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } أي أو أسير زماناً ودهراً. وهو واحد جمعه أحقاب في أقل العدد وكثيره. وقد / يجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وحقب جمع حقبة. [و] قال: الفراء: الحقب في لغة قيس سنة. وقال: عبد الله بن عمر: الحقب ثمانون سنة. وقال: مجاهد " سبعون خريفاً.

وعن ابن عباس { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } دهراً. وعن قتادة: زماناً. وقال: ابن زيد: الحقب الزمان وأصله في اللغة أنه وقت مبهم يقع للقليل والكثير كرهط وقوم وكان علة سيره إلى مجمع البحرين أنه واعد ثم الخضر يلقاه.

ثم قال: { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا }.

أي: فلما بلغ موسى [صلى الله عليه وسلم] وفتاه مجمع البحرين. قال: أبي بن كعب أفريقية.

وقوله { نَسِيَا حُوتَهُمَا }. أي: تركاه. وقال: مجاهد أضلاه وقيل: الناسي له يوشع وحده، ولكن أضيف النسيان إليهما كما قال:يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما من المالح دون العذب.

وقيل كان النسيان منهما جميعاً أما موسى [صلى الله عليه وسلم] فنسي أن يقدم إلى يوشع في أمر الحوت، وأما يوشع فنسي أن يخبر موسى [صلى الله عليه وسلم] بسرب الحوت. وكانا قد تزودا الحوت في سفرتهما فأضيف إليهما إذ هو زادهما جميعاً وإن كان حامله أحدهما.

ثم قال: { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }.

أي: اتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكاً ومذهباً يرى. قال: ابن عباس بقي أثره كالحجر. وعنه أيضاً أنه قال: جاء فرأى أثر جناحيه في الطين حين وقع في الماء.

وعن ابن عباس أنه قال: جعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة فذلك اتخاذه في البحر سرباً. قال: ابن زيد: لما أحيى الله [عز وجل] الحوت مضى في البطحاء فاتخذ فيها طريقاً حتى وصل إلى الماء بعدما أكلا منه، وكان زادهما.