قوله: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } إلى قوله { مَوْئِلاً }. المعنى: وما منع هؤلاء المشركين يا محمد عن الإيمان [بالله عز وجل] إذ جاءهم البيان من عند الله [سبحانه] والاستغفار مما هم عليه من شركهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين. أي: إلا طلب أن يأتيهم العذاب كما أتي الأولين عند امتناعهم من الإيمان. وطلبهم العذاب كما طلب هؤلاء المشركون العذاب في قولهم:{ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. ثم قال: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً }. من كسر القاف فمعناه: عيانا. ومن ضم فهو عند الفراء جمع " قبيل " أي يأتيهم متفرقاً صنفاً بعد صنف. وقال: أبو عبيدة: " قُبْلاً " بالضم مقابلة. وقال: مجاهد: قبلا، فجأة. وقال: ابن زيد: عيانا. ثم قال: [تعالى]: { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ }. أي: وما نرسل رسلنا إلا مبشرين أهل الإيمان بجزيل الثواب عند الله [عز وجل] ومنذرة أهل الكفر عظيم العقاب. ثم قال: { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ }. أي: يخاصم الكفار النبي صلى الله عليه وسلم ويسألوا عن المسائل / يبتغون عجزه واستنقاصه ليزيلوا به حجته، وينكروا نبوته فيزيلون الحق. ومعنى { لِيُدْحِضُواْ } يزيلوا، وهو سؤالهم عن الروح وعن فتية الكهف وعن ذي القرنين وشبهه. فأعلم الله [عز وجل] نبيّه أنه لم يرسل رسله للجدال إنما أرسلهم مبشرين ومنذرين. ثم قال: { وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً }. أي: اتخذ الكافرون آيات الله [عز وجل] وحججه [سبحانه] سخرياً. والهزؤ السخرية كأنهم يسخرون به. ثم قال: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا }. أي: أيُّ الناس أوضع للأشياء في غير موضعها ممن ذكره الله [عز وجل] آياته وحججه فدله على سبيل الرشاد، وأهداه إلى طريق النجاة، فأعرض عن ذلك ولم يقبله { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي ترك ما اكتسبت من الذنوب المهلكة له فلم يتب منها. ثم قال: تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ }. أي: إنا جازيناهم بإعراضهم عن الهدى وميلهم إلى الكفر [بأن] جعلنا على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوه { وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } أي ثقلاً لئلا يسمعوه. فأعلم الله [عز وجل] نبيه [صلى الله عليه وسلم] أن هؤلاء بأعيانهم لن يؤمنوا. ثم قال: لنبيّه عليه السلام { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } أي الاستقامة { فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } أي: فلن يؤمنوا أبداً لأن الله [عز وجل] قد طبع على قلوبهم وآذانهم. وقيل المعنى: فمن أظلم لنفسه ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عن قبولها { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي: ترك كفره ومعاصيه لم يتب منها. ثم قال: { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ }. أي: وربك يا محمد الساتر على ذنوب عباده بعفوه إذا تابوا منها ذو الرحمة بهم. ولو أخذ هؤلاء المعرضين عن آياته بما اكتسبوا من الذنوب بالعذاب في الدنيا لعجّل لهم ذلك. لكنه برحمته وعفوه لم يعجل لهم ذلك. وتركه إلى وقته، وهو الموعد المذكور. { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً }. أي: لن يجدوا يعني هؤلاء المشركين من دون الموعد ملتحداً ملجئاً يلجؤون إليه من العذاب.