الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

قوله: { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } إلى قوله { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.

المعنى: واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب [ربك] والزم تلاوته والعمل بما فيه { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي: لا مغير لما وعد بكلماته التي أنزلها عليك.

ثم قال: { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }.

أي وإن لم تفعل ما أمرت به من الاتباع للكتاب ولزوم التلاوة فلن تجد من دونه ملتحداً. قال: مجاهد [ " ملتحداً " ] ملجأً. وقيل معناه: موئلاً. وقيل: معدلاً والمعنى واحد. وهو مفتعل من اللحد. يقال: لحدت إلى كذا أي ملت إليه. ولذلك قيل لِلَّحد لَحْد لأ[نه] في ناحية القبر وليس هو الشق الذي في وسطه. ومنه الالحاد في الدين لأنه ميل عن الحق فيه.

ثم قال: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ }.

والمعنى أن الله يقول لنبيّه عليه السلام: احبس نفسك يا محمد في أعمال الطاعت { مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } بالذكر والحمد والتضرع يريدون بذلك وجه الله.

{ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ }.

أي: لا تصرفهما عنهم إلى غيرهم من الكفار. وقال: ابن المسيب: هم أهل الصلاة المكتوبة، ومثله عن مجاهد.

وروي أن ذلك نزل في الذين [كان] النبي صلى الله عليه وسلم يقرئهم القرآن أُمّر أَن يصبر نفسه ليقرئهم.

وروي أنه أمر للنبي عليه السلام أمر أن يقرئ الناس القرآن.

[و] هذه الآية نزلت في جماعة من عظماء المشركين أتوا النبي عليه السلام وقالوا له: باعد عنك هؤلاء الذين رائحتهم رائحة الظأن وهم موال وليسوا بأشراف، لنجالسك ونفهم عنك، يعنون بذلك خباباً وصهيباً وعماراً وبلالاً ومن أشبههم فأمر[ه] الله [عز وجل] [ألا] يفعل ذلك وأن يقبل عليهم ولا يلتفت إلى غير[هم] من المشركين.

فهو / قوله { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } يعني المشركين الذين أمروه أن يبعد عنهم هؤلاء المؤمنين.

وقيل: عني بذلك عيينة بن حصن والأقرع بن حابس. " ولما نزل ذلك على النبي عليه السلام وهو في بيته التمسهم فوجد قوماً يذكرون الله [عز وجل] ثائري الرؤوس والجلود وفي ثوب واحد فلما رآهم قال: " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم " ".

وفي ذلك نزلوَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52]. وذلك أن النبي عليه السلام همّ بابعادهم طمعاً أن يؤمن به عظماء قريش فنهاه الله [عز وجل] عن ذلك.

وقيل [معنى] { يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ }: يعني صلاة الصبح والصلاة بالعشي. وقيل: هم الذين يقرءون القرآن.

ثم قال: تعالى: { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.

فمعنى تريد زينة الحياة الدنيا أي تريد مجالسة الأشراف ذوي الأموال، وهم كفار، وتترك مجالس المؤمنين الفقراء. وروي أنهم كانوا لا يلبسون الأثياب الصوف من الفقر.

وقال: مجاهد: { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } أي ضائعاً، وعنه ضياعاً. وقيل معناه: ندامة. وقيل هلاكاً. وقال: ابن زيد معناه: مخالفة للحق. وهو من قولهم أفرط فلان في كذا، إذا أسرف فيه وجاوز قدره فيكون معناه وكان أمره سرفاً في كفره وافتخاره وتكبره.