قوله: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } إلى قوله: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }. المعنى: قال إبليس أرأيتك يا رب هذا الذي كرمت علىّ. أي: فضلته علي وأمرتني بالسجود له { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }. أي: أخرت هلاكي إلى يوم القيامة، يريد النفخة الثانية، وهي التي لا يبقى بعدها أحد إلا الله جل ذكره، فأتى الله [سبحانه] ذلك عليه. وقال إنك{ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [الحجر: 37-38] وهي: النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق. وبين النفختين أربعون سنة. قوله: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }. أي: لأستولين عليهم، قاله: ابن عباس. وقال ابن زيد: لأحتنكن لأضلن. فهو مأخوذ من قولهم: احتنك الجراد الزرع. إذا ذهب به كله. وقيل هو من قولهم: حنك الدابة يحنكها إذا ربط حبلاً في حنكها الأسفل وساقها، حكاه ابن السكيت. وحكى: [احتنك] دابته بمعنى احنك، فيكون المعنى على هذا الاشتقاق لأسوقنهم كيف شئت. وإنما قال إبليس هذا: لما قال الله [عز وجل] { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً }. ثم قال تعالى: { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ }. أي: اذهب فقد أخرتك إلى يوم القيامة، فمن تبعك من ذرية آدم وأطاعك { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ } ، أي: جزاؤك وجزاؤهم، أي: ثوابك على دعائك إياهم إلى معصيتي، وثوابهم على اتباعهم إياك { جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي: مكملاً. وقال مجاهد: " موفوراً " [أي] موفراً. وقيل موفوراً مكملاً. ثم قال تعالى: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ }. المعنى: واستخف من استطعت منهم، واستجهل ونحوه. ومعنى " بصوتك ": عند مجاهد أنه صوت الغناء واللعب. وقيل معناه: بدعائك إياهم إلى طاعتك. وقال ابن عباس: صوته كل داع دعا إلى معصية الله [سبحانه]، وهو قول قتادة. وقيل: صوت المزمار. وقيل: هو كل متكلم من غير ذات الله [عز وجل] فهو صوت الشيطان، وكل راكض في غير ذات الله [سبحانه] فهو من [خيل] الشيطان. وكل ماش في غير ذات الله [جلت عظمته] فهو من رجل الشيطان. وقيل معنى: { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ، أي: أجمع عليهم / من ركبان جندك ومشاتهم يدعونهم إلى طاعتك، يقال: قد أجلب فلان على فلان إجلاباً إذا صاح عليه، والجلبة الصوت. وقال قتادة: إن له خيلاً ورجلاً جنوداً من الجن والإنس يطيعونه. وقال ابن عباس: خيله كل راكب في معصية الله [سبحانه] ورجله كل راجل في معصية الله [تعالى]. ثم قال [تعالى] { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ }. يعني: الأموال التي أصابوها من غير حلها. قاله مجاهد. وقال الحسن: هي أموال أعطاها الله [عز وجل] لهم فأنفقوها في طاعة الشيطان. وقيل: هو ما كان المشركون يحرمونه من أموالهم يجعلونه لغير الله [سبحانه] مثل البحائر والوصائل والحامي وغير ذلك، روي ذلك عن ابن عباس، وقال الضحاك: هو ما كان المشركون يذبحون لآلهتهم.