الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }

قوله: { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ } إلى قوله: { عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }.

أمر الله جل ذكره عبيدة ألاّ يبخسوا الناس في الكيل إذا كالوا لهم وأن يزنوا بالقسطاس، وهو العدل بالرومية قاله مجاهد. وقال الضحاك: هو الميزان. وقال الحسن: هو القبان.

وروى الأعمش عن أبي بكر: " القصطاس " بالصاد في السورتين.

ثم قال: { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }.

أي ذلك خير لكم. أي: الوفاء خير لكم من بخسكم إياهم وأحسن عاقبة.

وقيل: معناه وأحسن [من] تؤول إليه الأمور في الدنيا والآخرة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقدر الرجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله [عز وجل] إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك ".

وقال قتادة: " وأَحْسَنُ تَأَوْيلاً " وأحسن ثواباً وعاقبة.

ثم قال تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }.

قال ابن عباس: معناه ولا تقل ما ليس لك به علم.

وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، ولا سمعت، ولم تسمع فإن الله سائلك عن ذلك كله. وقال محمد بن الحنفية: هو شهادة الزور. وعن ابن عباس أيضاً معناه: لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وكذلك قال مجاهد.

فدخل في هذه المعاني النهي عن قذف المحصنة، وعن القول في الناس / بما لا تعلم، وعن الكلام في الدين والفقه بالظن.

وقيل معناه: لا ترم أحداً بذنب لم تحققه، وإنما هو ظن طننته به.

والقفو شبيه بالبهتان: يرمي به الرجل صاحبه.

وقال الفراء: تقف من القيافة، يقال: قاف القايف يقوف إذا اتبع الأثر [إلا] أنهم قدموا القاف وأخروا الواو، كقولهم: جذب وجبذ.

وقرأ بعضهم: " ولا تقف " مثل تقبل من: قفت الأثر وقراءة الجماعة من قفوت. وهو مثل قولهم: قاع الجمل يقوع وقعاً يقعوا إذا ركب الناقة. ومثله قولهم عاث في البلاد وعثى إذا أفسد.

فأما قوله: { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ } فإنه يدخل فيه النهي عن الاستماع إلى ما لا يحل، والنظر إلى ما لا يحل لأن هذه الأعضاء مسؤولة عما يستعملها ابن آدم فيه من خير وشر.

وأصل القفو في اللغة التتبع. ومنه [يقال] قفوت أثر فلان أي تتبعته، ولذلك قال أبو عبيدة، " ولا تَقْفُ مَا لَيْس " لا تتبع ما ليس لك به علم.

وحكى الكسائي عن العرب: قفوت أثره وقفت مثل قلت فيقدمون مرة الواو ويؤخرونها مرة كما يقال: قاع الجمل الناقة إذا ركبها وقعاها. فيكون على القلب مثل قول الشاعر:
ولو أني رميتك من بعيد   لعاقك من دعاء الذنب عاق

السابقالتالي
2 3