الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً }

قوله: { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } إلى قوله { وَسَآءَ سَبِيلاً }.

هذا مثل ضربه الله [عز وجل] للممتنع من الإنفاق في طاعة الله [عز وجل] وفي الحقوق التي أوجبها الله [سبحانه]، فجعل المانع لذلك كالمشدودة يده إلى عنقه لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.

والخطاب للنبي [صلى الله عليه وسلم] والمراد به أمته، والمعنى: ولا تمسكوا أيديكم بخلاً عن النفقة في الله، فتكونوا كالمغلولة يداه إلى عنقه، ولا تبسطوها بالنفقة كل البسط، فتبقون لا شيء لكم ولا تجدون إذا سئلتم ما تعطون سائلكم، فتقعدون، وأنتم ذوو لوم، أن يلومكم سائلوكم إذ لم تعطوهم، وتلومكم أنفسكم على الإسراف في أموالكم.

ومعنى { مَّحْسُوراً } أي: مقطوعاً لا شيء معك، هذا معنى قول ابن عباس وقتادة. وقال ابن جريج: معناه لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به، ولا تبسطها بالإنفاق فيما نهيتك عنه، " فتقعد ملوماً " مذنباً " محسوراً " منقطعاً بك.

وقال ابن زيد: معناه: لا تمسك عن النفقة في الخير، ولا تنفق في الحق والباطل، فينفد ما في يديك فلا تجد ما تعطي سائلك فيلومك، وتقول أعطيت هؤلاء ولم تعطني.

وقيل المعنى لا تبخل فتمنع حق الله [عز وجل] ولا تجاوز الحق الواجب في الإنفاق والإعطاء فيبقى قوم من السؤال يتأخرون فلا يجدون ما يأخذون { فَتَقْعُدَ مَلُوماً } يلومك الناس الذين فاتهم العطاء " محسوراً " أي منقطعاً ليس معك ما تعطي.

ثم قال: { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ }.

أي: يوسّع على من يشاء في رزقه ويقتر على من يشاء، إنه خبير بعباده يعلم مصالحهم ويعلم ما يفسده السعة في الرزق ويصلحه التقتير، ومن يفسده التقتير وتصلحه السعة، بصير بتدبيرهم وسياستهم.

وروي عن قالون: " كل البصط " بالصاد. والأشهر عنه وعن الجماعة بالسين.

ثم قال [تعالى]: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ }.

هذا نهي عما كانت العرب تفعله. كانت تقتل البنات خوف الفقر [والإملاق] والفاقة، فأخبرهم الله [عز وجل] أن أرزاقهم وأرزاق أولادهم على الله [عز وجل].

وتقتلوا في موضع / نصب عطف على:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } [الإسراء: 23] ولا تقتلوا ". و [قيل]: هي في موضع جزم على النهي. وكذلك:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ } [الإسراء: 23].

" ولا تقتلوا ": وما بعده هو كله عند الطبري منصوب محمول على:

{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } وينقض عليه هذا التقدير قوله: " ولا تقف " وقوله: " ولا تمش " ، فهذا مجزوم على النهي بلا اختلاف، فما قبله مما عطف عليه [مثله مجزوم] وعلى ذلك أكثر العلماء، وهو الصواب إنشاء الله [عز وجل].

ومعنى " كان خِطئاً ": على قراءة نافع كان إثماً كبيراً.

السابقالتالي
2