قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } إلى قوله { وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }. هذه الآية فيها تهدد ووعيد لمشركي قريش أن يحل بهم من الهلاك مثل ما حل بالأمم الماضية بعد نوح من الأهلاك بذنوبهم. ثم قال تعالى: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }. أي: حسبك يا محمد بعلم ربك وإحصائه لذنوب عباده. والقرن عشرون ومائة سنة. وقيل مائة سنة. وقيل: أربعون سنة. ودخلت الباء في " كفى بربك " و " كفى بالله " لأن في الكلام معنى المدح. فالباء تدل عليه. كما يقول: أكرم به رجلاً. وناهيك به صاحباً. ثم قال تعالى: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ }. أي: من كان يعمل للدنيا وإياها يطلب ولا يوقن بمعاد ولا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } من توسيع أو تقتير لمن نريد. وقرئت " ما شاء " بالياء، على معنى: ما يشاء الله، أو على معنى: ما يشاء المعجل له ثم يقطره إلى جهنم يصلاها مدموماً مدحوراً. وقال أبو إسحاق الفزاري: معناه: ما نشاء لمن نريد هلاكه. وقال ابن عباس: " مذموماً ": ملوماً. [ثم قال تعالى] { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }. أي: ومن أراد ثواب الآخرة وعمل لها عملها الذي هو طاعة الله " وهو مؤمن " أي: مصدق بثواب الله [سبحانه] وعقابه [عز وجل] { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } وشكر الله [عز وجل] إياهم على سعيهم، حسن جزائه [تعالى] لهم على أعمالهم وتجاوزه عن سيئاتهم. ثم قال: { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ }. " كلا " منصوب بنمد و " هؤلاء " / بدل من كل. والمعنى: أن الله [عز وجل] يرزق كلا: الذين يريدون العاجلة، والذين يريدون الآخرة من عطائه إلى بلوغ أجل الفريقين. ثم تفترق بهما الأحوال بعد الممات. وتفترق بهم الورود يوم القيامة. فمن أراد العاجلة فإلى جهنم يرد ومن [أراد] الآخرة فإلى الجنة يرد. ثم قال: { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً }. أي: ممنوعاً عمن بسطه الله [عز وجل] عليه، قال قتادة: محظوراً منقوصاً. وقال في معنى الآية: إن الله [عز وجل] قسم الدنيا بين البر والفاجر: والآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين. ومثل هذه الآية في معناها على قول قتادة:{ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الأعراف: 32] أي: يشترك في الدنيا في الطيبات البر والفاجر. و [الآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين، أي]: تخص الآخرة للمؤمنين. ثم قال تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }. والمعنى: انظر يا محمد كيف هدينا أحد الفريقين إلى السبيل الأرشد، ووفقناه إلى الحق.