الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ [سَكَناً] } إلى قوله { وَأَكْثَرُ[هُمُ] ٱلْكَافِرُونَ }.

[أي]: جعل لكم موضعاً تسكنون فيه أيام مقامكم.

وقيل: معناه جعل لكم من بيوتكم ما تسكن إليه أنفسكم من ستر العورة والحرم فتهدأ فيه جوارحكم.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ } يعني: من جلود الإبل والبقر والغنم { بُيُوتاً } خفافاً عليكم تحملونها معكم في أسفاركم وهو: الظعن. وتنتفعون بها في إقامتكم، وهي: البيوت من الأنطاع والشعر والوبر والصوف.

ثم قال: { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً }.

أي: جعل لكم من هذه الأشياء متاعاً.

وواحد الأثاث أثَاثَة، والأثاث متاع البيت. وقيل: لا واحد له.

وعن ابن عباس: الأثاث: المال. وكذلك قال قتادة. وقيل الأثاث: الثياب.

وهو متاع البيت عند أهل اللغة، كالأكسية والفرش، وهو مأخوذ من قولهم: شعر أثيث، إذا كان كثيراً ملتفاً. ويقال أث الشعر يئث أثاً إذا كثر والتف. وقد أث البيت يئث أثاً إذا صار ذا أثاث. فسمي متاع البيت أثاثاً لكثرته واجتماعه. والأصواف للضأن، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز.

وقوله: { مَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }.

أي: تتمتعون به وتنتفعون إلى آجالكم.

ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً }.

يعني: الأشجار والجبال تستظلون بها من الحر والبرد والمطر وقيل: هو السحاب والغمام يظل الناس.

{ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً }.

أي: جعل لكم من الجبال والسهل، ولكن حذف السهل لدلالة الكلام عليه. { أَكْنَاناً } جمع: كن يعني غيرانا يسكن فيها.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } والبرد وحذف / البرد لدلالة الحر عليه.

[كما قال أريد الخير أيهما يليني

فحذف الشر لدلالة الخير] [عليه].

والسرابيل جمع سربال. والسربال كل ما لبسته من قميص ودرع وغيره، يعني: من القطن، والكتان والصوف.

{ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ }.

يعني: الدروع من الحديد. والبأس هنا الحرب. والمعنى في هذا: خلق لكم ما تتخذون منه هذه السرابيل وأقدركم على عمله وألهمكم ذلك.

فهذه كلها نعم من الله ينبه خلقه عليها ليشكروا الله على ذلك ويعلموا أنه المنفرد بخلق ذلك المدبر لمصالح عباده، فلا تجب العبادة إلا له.

وإنما خص الجبال بالذكر لأنهم كانوا أصحاب [جبال] في بلدهم فخوطبوا بما يعرفون. وترك السهولَ وما فيها أيضاً من الأكنان لدلالة الكلام عليه. وخص ذكر الحر: لأن أكثر زمان العرب في أرض الحجاز وما يليها الحر. فخص ذلك لما يعلمون من ضرره عندهم وترك ذكر البرد لدلالة الحر عليه. وخص ذكر الأصواف والأوبار والأشعار لأنهم كانوا أصحاب إبل وغنم ومعز فخوطبوا بما يعقلون. وترك ذكر القطن، والكتان، وغيره، مما يستعمل منه اللباس لدلالة الكلام عليه. ومن هذا قولهوَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور: 43] فذكر البَرَد لأنهم كانوا يعرفونه فخوطبوا بما يعرفون وترك ذكر الثلج وهو أكثر نزولاً من البَرَد لأنهم كانوا يعرفونه في بلادهم.

السابقالتالي
2