الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله: { لأََيٰتٍ [لِّقَوْمٍ] يُؤْمِنُونَ }.

المعنى: [لله] ما غاب عن أبصاركم في السماوات والأرض دون ما سواه.

{ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ [كَلَمْحِ] ٱلْبَصَرِ }.

أي: وما قيام الساعة، التي ينشر فيها الخلائق للبعث، إلا كنظرة من البصر، أو أقرب من نظرة. لأن ذلك إنما هو، أن يقال له: كن، فيكون. وهذا إنما هو صفة لسرعة القدرة على بعث الخلق وإحيائهم، كما يقال في تمثيل السرعة ما بين الشيء والشيء: ما بين الحر والقر إلا نومة، وما بين السنة والسنة إلا لحظة. فهذا يراد به السرعة. والمعنى: أن الساعة في مجيئها للوقت الذي لا مدفع له بمنزلة لمح البصر. ومثله في القرب على التمثيلسَيَعْلَمُونَ غَداً } [القمر: 26] فسمي يوم القيامة [غداً] على تمثيل القرب إذ لا مدفع له عن وقته. فالقيامة كغد لوقوعها لا محالة كوقوع غد. وقيل: إنها تقوم على الحقيقة في أقرب من لمح البصر، ود[ل] على ذلك قوله:لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } [الأعراف: 187].

وقيل معناه: وما أمر الساعة عندنا إلا كلمح البصر لا عندكم، كقوله:وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } [الرعد: 5] أي: عجب عندكم وعند من سمعه لا عندي ويدل على هذا التأويل قوله:يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } [المعارج: 6-7].

ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

أي: [إن] الله قدير على إقامة الساعة في أقرب من لمح البصر، وعلى ما يشاء لا يمتنع عليه شيء من الأشياء كلها.

ثم قال [تعالى]: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً }.

معناه: والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون وأنتم في بطون أمهاتكم، ورزقكم عقولاً تفهمون بها الأشياء، وتميزون بين الخير والشر، وجعل لكم السمع لتسمعوا به أوامر الله، ونواهيه، ومواعظه، فتعلمون وتتعظون.

وهذا يدل على أن الواو لا توجب رتبة لأنه ذكر جعله للسمع والبصر والفؤاد / بعد الخروج من البطن، وذلك لم يكن إلا في البطن. فالواو لا توجب رتبة، بل ما بعدها يكون قبل ما قبلها. لا يجوز إلا هذا بهذه الآية، ونظيرها كثير في القرآن يدل على أنها لا ترتب ما بعدها بعدما قبلها، بل قد يكون بعده وقبله. ويجوز أن يكون الباقي مبتدأ غير معطوف. والأبصار لتبصروا بها آياته ونعمه فتشكروا وتعلموا أن الله الخالق وحده لا إله إلا هو، والأفئدة ليفهموا بها، وهي القلوب.

{ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

أي: فعل ذلك بكم لعلكم تشكرون نعمه عليكم.

ثم قال: { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ }.

أي: ألم يَرَ هؤلاء المشركون إلى الطير، تطير في جو السماء أي: في هواء السماء وهو ما بَعُدَ من الأرض وأبعد منه من الأرض السكاك واحدها سكاكة.

{ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ }.

أي: [ما طيرانهن إلا بالله] وبما أعطاهن من القدرة على ذلك ولو سلبهن القدرة لم يطرن.

{ [إِنَّ] فِي ذٰلِكَ لأََيٰتٍ }.

أي: إن في تسخير الله الطير في الهواء لعلامات على توحيد الله [عز وجل] لقوم يؤمنون بالله [سبحانه]، قال قتادة: في جو السماء، في كبد السماء.