الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } إلى قوله: { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

المعنى: ويعبد هؤلاء المشركون من دون الله [سبحانه]، أوثاناً لا يملكون لهم رزقاً " من السماوات " أي: لا تنزل مطراً لإحياء الأرض. " والأرض " أي: ولا تملك لهم أيضاً رزقاً من الأرض، لأنها لا تقدر على إخراج نباتها وثمارها لهم.

{ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }.

أي: لا تملك أوثانهم شيئاً من السماوات والأرض.

و { رِزْقاً } نصب بيملك. و { شَيْئاً } نصب برزق. وكان أصله: رزق شيء كما يقول: ضرب زيد فلما فرق بينهما انتصب شيء لأنه مفعول به برزق. وهو مثل قوله الشاعر:
فلم أنكل عن الضرب مسمعاً.   
كان أصله: عن ضرب مسمع، فلما [أ]دخل الألف واللام امتنعت الإضافة فانتصب المفعول به ومثله في التنوين:أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } [المرسلات: 25-26] كان أصله كفاتاً إحياء وأموات [أي جمع أحياء وأموات]. والكفت الجمع والضم، أي: تجمعهم وتضمهم على ظهرها أحياءً وفي بطنها أمواتاً فلما نون { كِفَاتاً } انتصب { أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } على المفعول به، والعطف عليه، وله نظائر، وهو أصل من أصول العربية.

وقد منع بعض البصريين أن يعمل " رزق " في " شيء " لأنه اسم، وليس بمصدر، وقال ينتصب " شيء " على البدل من " رزق ".

ثم قال [تعالى] { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ }.

قال الضحاك، معناه: لا تعبدوا من دون الله ما لا ينفعكم، ولا يضركم، ولا يرزقكم. وقال ابن عباس: هو اتخاذكم الأصنام. يقول تعالى ذكره: لا تجعلوا معي إلهاً غيري.

وقيل معناه: لا تمثلوا الله [سبحانه] بخلقه فتقولوا: هو يحتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما يكون لمن لا يعلم ودل على هذا المعنى قوله [عز وجل]:

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.

وقيل معناه: لا تمثلوا خلق الله به، فتجعلوا له من العبادة مثل ما لله [سبحانه].

ثم قال تعالى: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } الآية.

هذا مثل ضربه الله [عز وجل] للكافر والمؤمن، قال قتادة: قوله: { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } ، هذا مثل ضربه الله [عز وجل] للكافر رزقه الله مالاً، فلم يقدر فيه على [خير]، ولم يعمل فيه بطاعة الله [عز وجل] ثم قال [تعالى]: { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } فهذا للمؤمن أعطاه الله مالاً يعمل فيه بطاعته فأخذ فيه بالشكر ومعرفة الله [عز وجل]، فأثابه الله [سبحانه] على / ما رزقه [في] الجنة.

ثم قال: { هَلْ يَسْتَوُونَ }.

أي: هل يستوي هذان وهما بشران؟ فكيف سويتم أيها المشركون بين الله وبين الحجارة التي لا تعقل ولا تنفع ولا تضر.

السابقالتالي
2