قوله: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } إلى قوله: { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. قوله: { نُّسْقِيكُمْ } مَنْ ضَمَّ النون، أو فَتَح، فهما لغتان عند أبي عبيدة. وقال الخليل وسيبويه: سقيته ناولته، وأسقيته جعلت له سقياً. وقوله: { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } يذهب سيبويه أن العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد. وقال [الكسائي معناه نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا. فذكر على ذلك. وقال] الفراء: الأنعام والنعم واحد فرجع هنا إلى تذكير النعم. وحكى عن العرب: هذا نعم وارد. وقال أبو عبيدة: معناه نسقيكم مما في بطون أيها كان [ذا] لبن لأنها ليست كلها لها [لبن]. وعن الكسائي أن التذكير على البعض أي نسقيكم مما في بطون بعض الأنعام. وقيل: المعنى: أن التذكير إنما جيء به لأنه راجع على ذكر النعم، لأن اللبن للذكر منسوب. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللبن للفحل " وبذلك يحكم أهل المدينة وغيرهم في حكم الرضاع. ومعنى الآية: وأن لكم لعظة في الأنعام التي نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم. والفرث ما يكون في الكرش من غذائها. ويقال: أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها. لبنا خالصاً: أي خلص من مخالطة الفرث والدم. والمعنى: أن الطعام يكون منه [ما] في الكرش، ويكون منه الدم، فيخلص اللبن من الدم. ومعنى: { خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } أي: يسوغ لمن شربه، ولا يغص به. وقيل معناه: سهلاً لا يشجى به من شربه متساغ في الحلق لا يشاحه [فيه] مرارة. وقيل: إنه لم يغص أحد باللبن قط. وهذه الآية تدل على فساد قول من يقول: أن المني إنما نجس لسلوكه مسلك البول [فهذا اللبن يسلك مسلك البول] وهو طاهر. وهذا إنما يصح على قول: من يرى أن أبوال الإبل والبقر والغنم غير طاهرة. ولا يلزم من قال: إن أبوالها طاهرة. ثم قال تعالى: { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً }. معناه: ولكم أيضاً أيها الناس عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب. و " ما " محذوفة من الكلام. والمعنى من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون. وإنما جاز الحذف لدلالة " من " عليها لأن " من " تقتضي التبعيض، فدلت على الاسم المبعض فحذف. وقال بعض البصريين التقدير: ومن ثمرات النخيل والأعناب شيء تتخذون، وحذف شيء لدلالة الهاء في " منه " عليه. فأما " السكر " [فـ]قال / ابن عباس: " السكر " ما حرم الله [عز وجل] من شرابه، و " الرزق الحسن " ما أحل من ثمرته، يعني: الزبيب والتمر. وقال [به] ابن جبير ومجاهد. وقال الحسن: ذكر نعمته في السكر قبل تحريم الخمر.