قوله { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } إلى قوله { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }. قوله: { أَلْسِنَتُهُمُ } جمع لسان على لغة من ذكره. ويجمع إلى ألسن على لغة من أنثه. ولو سميت بالسن لم ينصرف في المعرفة خاصة للتعريف ولأنه على وزن الفعل إذا قلت: أنا أخرج وأنا أدخل، ولو سميت بالسنة لم تنصرف على كل حال. ومعنى الآية: ويجعل هؤلاء المشركون لله ما يكرهون لأنفسهم. وذلك جعلهم له البنات وهم يكرهونها { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي الجنة: أي: يكذبون فيدعون أن لهم الجنة. { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ }. أي: وجب أن لهم النار، وقال مجاهد: { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } هو: قول كفار قريش لنا البنون / ولله البنات. وقال قتادة: الحسنى هنا الغلمان. وقرأ بعض الشاميين " ألسنتُهم الكُذْب " بالرفع، جعله نعتاً للألسنة، وبناه على فُعُل جعله جمع كذوب " وأن " عند قطرب في موضع رفع بجرم لأنه بمعنى: وجب أن لهم. وعند غيره في موضع نصب بجرم لأنه بمعنى كسب، أي: كسب لهم ذلك أن لهم النار، وما بعدها رد لما قبلها، وقد تقدم ذكره { لاَ جَرَمَ } في سورة هود بأشيع من هذا. وقال ابن عباس { لاَ جَرَمَ } معناه: بلى أن لهم. وقيل: معناه: واجباً أن لهم. وقوله: { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }. من قرأ بفتح الراء، فمعناه عند الحسن: معجلون إلى النار. وقال ابن جبير، منسيون فيها، متركون فيها. قال مجاهد: منسيون. وفي الحديث " أنا فَرْطُكُم على الحوض " [أي] متقدمكم إليه حتى تردوا علي. وأفرطته أقدمته. وقال أبو عبيدة والكسائي معناه: متركون في النار. فأما من قرأ بكسر الراء فمعناه: مبالغون في الإساءة. يقال: أفرط فلان على فلان إذا أربى عليه وبالغه في الشر. وقرا أبو جعفر " مفرِّطون " ، بالتشديد وكسر الراء ومعناه: مضيعون ما ينفعهم في الآخرة. وتصديقه قوله:{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر: 56]. ثم قال تعالى: { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ }. أي: والله يا محمد لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي: حسنها لهم حتى كذبوا الرسل. { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ }. أي: والشيطان وليهم، أي: ناصرهم اليوم في الدنيا. ولهم في الآخرة عذاب أليم. وقيل: إنه يقال لهم: هذا الذي أطعتموه فاسألوه حتى يخلصكم [تبكيتاً لهم و] تأنيباً وتوبيخاً لهم. فيكون قوله: { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } إشارة إلى يوم القيامة. وهذا كله تعزية للنبي [صلى الله عليه وسلم] وتصبير له إذا كذبه قومه، فأعلمه الله [عز وجل] أنه قد فعل ذلك بمن أرسل قبله فيتأسى النبي [صلى الله عليه وسلم] بذلك ويزداد صبراً.