قوله: { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } إلى قوله: { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. والمعنى أفأمن الذين ظلموا المؤمنين من أصحاب النبي عليه السلام، وقالوا في القرآن: هو أساطير الأولين { أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ } كما فعل بقوم لوط، أو يأتيهم العذاب من حيث يأمنوا كما أتى نمرود بن كنعان وقومه. { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ }. أي أو يهلكهم في تصرفهم في البلاد في أسفارهم، قاله: ابن عباس وقتادة. وقال ابن جريج: { فِي تَقَلُّبِهِمْ } بالليل والنهار. { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ }. أي: أو يهلكهم الله بتخوف. وذلك نقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم. وقال الزجاج معناه: أو يأخدهم بعد أن يخوفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها. وقال الضحاك: معناه أو أخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها. وقال ابن عباس ومجاهد { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على تنقص. أي ينقص من أموالهم وزروعهم حتى يهلكهم. وروى مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال: ما التخوف؟ فأقام بذلك أياماً، فأتاه غلام من أعراب قيس فقال: يا أمير المؤمنين أراني يتخوفني مالي. فقال له عمر: كيف يتخوفك مالك؟ فقال ينتقصني مالي. فقال عمر { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على تنقص. وقيل معنى: { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } أي: يأخذهم بالهلاك فيخوف بهم غيرهم ليتعظوا، وهو قول الضحاك. وقال الليث: { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } على عجل. ويروى عن عمر [رضي الله عنه] أنه [قال] ما كنت أدري ما معنى { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } حتى سمعت قول الشاعر:
تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِداً
كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفِنُ
يصف ناقته أن السير نقص سنامها بعد تمكنه. ثم قال تعالى: { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }. أي: رؤوف أن آخر هؤلاء الذين مكروا السيئات فلم يعجل لهم بالعقوبة، رحيم بعباده، إذ لم يعجل عقوبتهم، وجعل لهم فسحة في التوبة. ثم قال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } الآية: أي: أولم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من جسم قائم شجراً أو جبالاً أو غير ذلك { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ } أي: يرجع من موضع إلى موضع [و] يكون في أول النهار على حال، ثم يعود إلى حال آخر في آخر النهار. قال قتادة: أما اليمين فأول النهار، والشمال: آخر النهار. وقال ابن جريج: اليمين والشمال الغدو والآصال، فإذا فاءت الظلال سجدت لله بالغدو والآصال. قال الضحاك: سجد ظل المؤمن طوعاً. وقال الضحاك إذا فاء الفيء توجه كل شيء ساجداً قبل القبلة من نبت أو شجر، قال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله [عز وجل]. وعن مجاهد: أن السجود في / هذا الموضع سجود الظلال دون التي لها الظلال.