الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ } إلى قوله { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.

المعنى: والذين فارقوا دورهم وأوطانهم عداوة للمشركين في الله [عز وجل] من بعد ما ظلمهم المشركون وأوذوا في ذات الله [سبحانه].

{ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ }.

أي: لنسكنهم في الدنيا مسكناً صالحاً يرضونه. وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طوائف منهم بالحبشة ثم بوأهم الله [عز وجل] المدينة بعد ذلك، فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين، قال ذلك قتادة وابن عباس.

وقال الضحاك: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } هو النصر والفتح.

{ وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } الجنة.

فالآية: فيمن هاجر من المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة. ليست الهجرة في هذا الموضع: الهجرة إلى المدينة، لأن هذا أنزل بمكة إلى أرض الحبشة.

قال الشعبي: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا [حَسَنَةً] } المدينة، وقال ابن [أبي] نجيح: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } أي: لنرزقهم في الدنيا رزقاً حسناً.

وكان عمر رضي الله عنه إذا أعطى لرجل من المهاجرين عطاء يقول: بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله [عز وجل] في الدنيا، وما أخّر لك في الآخرة أفضل ثم يتلوه هذه الآية: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ }.

وقال الضحاك: الحسنة: النصر والفتح. وقال مجاهد: الحسنة: هنا لسان صدق.

ومعنى بوأت فلاناً منزلاً: أحللته فيه. ومنه قوله:وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } [يونس: 93].

وقيل: إن هذه الآية نزلت في أبي جندل بن سهيل.

ثم قال تعالى: { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ }.

أي: ولثواب الآخرة على الهجرة، أكبر من ثواب الدنيا.

وقيل: الحسنة هنا، كونهم مؤمنين وسماعهم ثناء الله [عز وجل] عليهم.

وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين عذبهم المشركون على إيمانهم وأخذوا أموالهم، منهم: صهيب وبلال. وذلك أن صهيباً قال للمشركين: أنا رجل / كبير إن كنت معكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضرَّ بكم. فخذوا مالي ودعوني. فأعطاهم ماله وهاجر إلى النبي عليه السلام. فقال له أبو بكر: ربح البيع يا صهيب. وقال عمر [رضي الله عنه]: نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. أي: لو أمن عذاب الله [سبحانه] لما ترك الطاعة ولا جنح إلى المعصية.

ثم بيَّن الله هؤلاء القوم فقال: { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } في الله على ما نالهم في الدنيا من الكفار. { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي: به يثقون في أمورهم.

ثم قال تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ }.

وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى أمة من الأمم بالدعاء إلى توحيد الله وقبول أمر الله [سبحانه] إلا رجالاً من بني آدم وليسوا بملائكة، ولم يرسل إلى قومك إلا مثل من أرسل إلى من كان قبلكم من الأمم.

السابقالتالي
2