الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } إلى قوله: { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.

معناه: أولئك الذين تقدمت صفتهم، هم الذين طبع الله على قلوبهم، أي: ختم عليها بطابعه فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصم أسماعهم، فلا يسمعون داعي الله [عز وجل] سماع قبول، وأعمى أبصارهم، فلا يبصرون بصر مهتد معتبر. { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أي: هم الساهون عما أعد الله [عز وجل] لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم.

ثم قال: { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ }.

قال الطبري: لا جرم معناه لا بد أنهم في الآخرة هم الهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها.

ثم قال تعالى: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ }.

أي: هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم، أي من بعدما عذبوا على الإسلام بمكة ثم جاهدوا المشركين في الله [عز وجل] مع نبيه [صلى الله عليه وسلم] وصبروا في الجهاد، وعلى طاعة الله [عز وجل] إن ربك من بعد ذلك أي: من بعد الفعلة التي فعلوها { لَغَفُورٌ } أي لساتر على ذنوبهم { رَّحِيمٌ } بهم. وقد تقدم الكلام فيمن نزلت هذه الآيات.

ومن قرأ { فُتِنُواْ } بالفتح، وهي قراءة ابن عامر، فمعناه: عذبوا غيرهم على الإيمان ثم آمنوا هم من بعدما فعلوا ذلك بالمؤمنين، إن ربك من بعد الفعلة التي فعلوها ساتر لذنوبهم، رحيم بهم.

قال ابن عباس وقتادة: نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشركون ففتنوهم فكفروا مكرهين.

وقال الحسن وعكرمة: نزلت في شأن ابن أبي سرح: فتنه المشركون فكفر، فنزلت:مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } [النحل: 106]. [الآية، ثم استثنى إلا من أكره] ثم نسخ واستثنى بقوله: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ } الآية، وهو عبد الله بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فلحق بالمشركين، وأمر به النبي [صلى الله عليه وسلم] يوم فتح مكة، بأن يقتل فاستجار له عمر فأجاره رسول الله / صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا }.

يوم منصوب برحيم. وقيل انتصب على إضمار: [و] اذكر { يَوْمَ تَأْتِي [كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا] }.

ومعنى الآية: أن الله أعلمنا أن كل إنسان [منهم] يوم القيامة منشغل بنفسه، بطلب خلاصها. وروي أن كعباً قال لعمر [رضي الله عنه]: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا جثا على ركبتيه، يقول: يا رب نفسي، حتى أن إبراهيم، خليل الرحمن، ليجثو على ركبتيه. ويقول: لا أسألك إلا نفسي، ثم قال كعب: إن هذا لفي كتاب الله، ثم تلى: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } الآية.

السابقالتالي
2