قوله [تعالى] { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } إلى قوله { خَصِيمٌ مُّبِينٌ }. ومعنى أتى أمر الله: يأتي. ولا يحسن عند سيبويه في أخبار الناس وما يجري بينهم: فَعَل بمعنى يَفعل إلا في الشرط. وقيل: إنما أتى بالماضي لأنه أمر سيكون لا بد منه، فأتى فيه بالماضي الذي قد كان في موضع ما سيكون. وقيل: إنما جاء كذلك لأنهم استبعدوا ما وعدهم الله من عذاب، فأتى بالماضي في موضع المستقبل لقربه من الإتيان، ولصدق المخبر به. وقد قال الضحاك: { أَمْرُ ٱللَّهِ }: فرائضه وحدوده وأحكامه. وقيل: هو وعيد من الله لأهل الشرك على ما تقدم. قال ابن جريج: لما نزلت { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } الآية، قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن. فلما رأوا أنه لا ينزل شيئاً، قالوا: ما نراه ينزل شيئاً، فنزلت [الآية]:{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1] الآية. فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضاً. فلما رأوا ألاّ ينزل شيئاً، قالوا: ما نراه ينزل شيئاً فنزلت{ [وَ]لَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ [لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ] } [هود: 8] الآية. وروي عن الضحاك { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني القرآن: أي أتى بفرائضه وحدوده وأحكامه، وهو القول الأول عنه. وقيل: أمر الله نصر النبي عليه السلام. وقيل هو يوم القيامة. وقال الزجاج: { أَمْرُ ٱللَّهِ } ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم بمنزلة قوله:{ حَتَّىٰ [إِذَا] جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } [هود: 40] وقوله:{ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً } [يونس: 24]. ومعناه: أنهم استبطأوا العذاب فأخبرهم الله بقربه. ويدل على أنه وعيد وتهدد للمشركين قوله بعد: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. وأمر الله قديم غير محدث وغير مخلوق، بدلالة قوله:{ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54] فالأمر غير الخلق. وبدلالة قوله:{ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [الروم: 4] أي: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، فهو / غير محدث. وأمره صفة له هو كلامه غير مخلوق. وقيل معنى: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي أتت أشراط الساعة، وما يدل على قرب القيامة. وقيل: هو قيام الساعة. وقيل: هو جواب لقولهم بمكة:{ [فَأَمْطِرْ] عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32] الآية. ثم قال [تعالى]: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. من قرأ: { يُشْرِكُونَ } بالتاء جعل الاستعجال للمشركين. ومن قرأ بالياء جعل الاستعجال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال تعالى: { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ }. أي: ينزل الملائكة بالوحي من أمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: عليه السلام على المرسلين بأن ينذروا العباد بأن لا إله إلا أنا. وقيل: " من " بمعنى الباء. أي: بالروح [بأمره]، أي بالوحي بأمره.