الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

قوله: { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي / زَرْعٍ } - إلى قوله - { يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }. معنى الآية: إنه دعاء من إبراهيم صلى الله عليه وسلم بمكة، وذلك حين أسكن اسماعيل، وأمه هاجر مكة.

قال ابن عباس: إن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم اسماعيل (وإن) أول ما أحدث النساء جر الذيول، لمن أم اسماعيل، وذلك أنها لما فرت من سارة أرْخَتْ من ذيلها لتعفي أثرها، فجاء بها إبراهيم، ومعها إسماعيل حتى انتهى بها إلى موضع البيت، فوضعها، ثم رجع. فأتبعته، فقالت: إلى (أي) شيء تكلنا؟ (إلى أي طعام تكلنا)، إلى أي شراب تكلنا؟.

فجعل إبراهيم لا يرد عليها عيناً، فقالت: (آلله) أمرك بهذا؟ قال نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء. أقبل على الوادي، فدعا، فقال: { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } - الآية - قال: وكان مع هاجر شن، فيه ماء. فنفد الماء فعطشت، فانقطع اللبن. فعطش الصبي، فنظرت أي: الجبال أدنى من الأرض، فصعدت الصفا، فتسمعت هل تسمع صوتاً أو ترى أنيساً. فلم تسمع شيئاً، فانحدرت. فلما أتت إلى الوادي سعت وما تريد السعي، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي. فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض، فصعدت المروة، فتسمعت هل تسمع صوتاً، أو ترى أنيساً فسمعت صوتاً كالإنسان الذي يكذب سمعه حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك، فأغثني، فقد هلكت وهلك من معي. فجاء الملك بها، حتى انتهى (بها) إلى زمزم. فضرب بقدمه ففارت، فجعلت هاجر تفرغ من شنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أم إسماعيل! لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً " وقال الملك لها: لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد، فإنما (هي) عين لشرب ضيفان الله. وقال لها: إن أبا هذا الغلام سيجيء، فيبنيان لله (جل وعز) بيتاً، وذا موضعه، ثم ذهب، وبقيت هاجر، فأتت رفقة من جرهم تريد الشام، فرأوا الطير على الجبل، فقالوا: إن هذا الطير لعائف على ماء، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا: لا. ثم أشرفوا فإذا هم بهاجر وابنها، فأتوها، فطلبوا أن ينزلوا عندها، فأذنت لهم، فسكنوا عندها. ثم أتتها المنية فماتت، رحمة الله عليها، فتزوج اسماعيل امرأة من جُرْهم، ثم كان من قصة إبراهيم في إتيانه إلى (بناء) البيت ما ذكر الله (عز وجل).

وقد تقدم منه ذكر (كثير) في البقرة. ومعنى: { بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ }: أي: المحرم من استحلال حرمات الله (تعالى) فيه، والاستخفاف بحقه.

وقوله: { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ }: أي: اجعل قلوب بعض خلقك تنزع إليهم، فلذلك قلوب الناس إلى الآن تنزع إلى الحج، ولا تقدر على التخلف.

السابقالتالي
2