الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً } - إلى قوله - { غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

المعنى: واذكر يا محمد! إذ قال إبراهيم: رب اجعل مكة (بلداً) آمناً، سكانه وأهله. فهذا إشارة إلى البلد، والبلد نعت لهذا، أو عطف بيان. و " آمنا " مفعول ثان لجعل.

ثم قال تعالى حكاية عن قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا محمد وسلم: { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ }: أي: اجعلني وإياهم جانباً عن عبادتها.

وقيل: معناه أنقذني، وإياهم من عبادة الأصنام. والصنم: التمثال المصور، فإن لم يكن مصوراً فهو وثن.

قال مجاهد: أجاب الله، جل ذكره، دعوة إبراهيم في ولده، فلم يعبد أحد منهم صنماً.

ثم قال تعالى، ذكره: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ }: أي إن الأصنام أضللن كثيراً من الناس عن طريق الهدى والحق، حتى عبدوهن فكفروا بك. وأضاف الفعل إلى الأصنام على ما تعرف العرب من مخاطبتها. يقول العرب: أفتنتني الدار، والمعنى: استحسنتها.

فالمعنى: إنه افتتن (كثير) من الناس بهن، أي: استحسنهن كثير من الناس، أي: استحسن عبادتهن كثير منهم.

{ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } ، أي: من تبع ما أنا عليه من الإيمان بالله، (عز وجل)، وإخلاص العبادة (له فهو مني): أي: من أهل ديني.

{ وَمَنْ عَصَانِي } فخالف أمري { فَإِنَّكَ غَفُورٌ } لذنوب المذنبين. أي: ستار لها إذا تابوا منها بالإيمان. وهذا قريب من قول عيسى صلى الله عليه وسلم:إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [المائدة: 118] - الآية -: أي: إن تغفر لهم ذنوبهم بعد توبتهم وإيمانهم. (وفي) ذلك أقوال غير هذا، قد ذكرتها في المائدة.

وغير جائز أن يتأول أحد أن المغفرة ترجى لمن مات على كفره، لقوله:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48، 116]، ولقوله:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً } [آل عمران: 91] - الآية - وهو كثير في القرآن، فلا يَيْأَس من مغفرة الله لعبدٍ مع الإيمان، ولا ترجى مغفرة لعبدٍ من الكفر.

وقوله: رحيم: أي: رحيم بعبادك إذا آمنوا قبل موتهم.