الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } * { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } - إلى قوله - { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. المعنى: وبرزوا من قبورهم، (أي) ظهر هؤلاء الذين كفروا من قبورهم فصاروا بالبراز من الأرض جميعاً.

{ فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ }: أي قال التباع للمتبوعين المستكبرين في الدنيا عن عبادة الله عز وجل.

{ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } ، في الدنيا، أي: نتبع أمركم لنا بمعصية الله، عز وجل، وترك اتباع الرسل.

{ فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ }: أي: دافعون عنا (من العذاب) شيئاً. قال المتبوعون، وهم القادة للضعفاء، وهم التابعون: { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ }: أي: لو أن لنا شيئاً ندفع به عذابه عنا اليوم، لبيناه حتى تدفعوا به العذاب عن أنفسكم.

{ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }: أي: سواء علينا الجزع والصبر، ما لنا من خلاص، ومن ملجأ، ومن مهرب، ومن مَعْدِل، و " سواء " مبتدأ، وما بعده خبر.

قال محمد بن كعب القُرظي: بلغني أن أهل النار، يقول بعضهم لبعض: يا هؤلاء! إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الله ينفعنا كما صبر أهل لدنيا على طاعة الله (عز وجل)، فنفعهم الصبر. فأجمعوا رأيهم على الصبر، فصبروا، فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } /: (أي) من ملجأ.

وقال ابن زيد: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم، وتضرعهم لله تعالى. (تعالوا) نبكي، ونتضرع إلى الله، جل ذكره. فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، تعالوا نصبر. فصبروا صبراً لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }.

وروى مالك (رضي الله عنه)، عن زيد بن أسلم أنه قال: صبروا (مائة) عام، ثم بكوا مائة عام. فقالوا: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }.

وروى ابن كعب بن مالك، عن أبيه، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم، قالوا: هلم فلنجزع، فيجزعون ويضجون خمسمائة عام، فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ".

ثم قال تعالى: (ذكره): { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ }. أي: قال إبليس لما دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، واستقر بكل فريق قراره.

{ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ }: أيها الأتباع النار، { وَوَعَدتُّكُمْ }: النصرة.

وقيل، معنى: { وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ }: أي: وعد من أطاعـ(ـه) الجنة، ومن عصاه النار.

السابقالتالي
2