الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قوله: { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } إلى قوله { عَذَابٌ غَلِيظٌ }.

والمعنى: واستفتحت الرسل على قومها لما كذبوهم: أي: استنصروا الله عليها لما وعدهم بالنصر على الأمم، وأنه يسكنهم الأرض من بعد الأمم.

هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.

وقال ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء، كقول قريش:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. وقد أعلمنا الله أن قوم هود استفتحوا، وقالوا لهود:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ (مِنَ ٱلصَّادِقِينَ) } [الأعراف: 70].

فالاستفتاح عنده مسألة العذاب.

وقد روي أنه قيل لقريش حين استفتحوا / العذاب: إن لهذا أجراً يؤخر إلى يوم القيامة، فقالوا:رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ص: 16]: أي: عجل لنا نصيبنا من العذاب على (طريق) التكذيب به، (و) على هذا أتى قوله:وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [العنكبوت: 53] الآية.

وقوله: { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ }: أي: أهلك كل متكبر عن الإيمان معاند.

قال المفسرون: هو من امتنع أن يقول: لا إله إلا الله.

وقال قتادة: العنيد: الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله ".

وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقاً.

وقيل: هو أبو جهل لعنه الله وُنَظَراؤُهُ.

ويقال: جبار بين الجبرية والجَبرِيَّة بكسر الجيم، والباء، والجَبْرَوُةُ والجَبْرُوَّة، والجبروت، والعنيد: المعاند للحق.

ثم قال تعالى: { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ }: أي: من وراء ذلك الجبار العنيد جهنم يردها: أي: من أمامه جهنم. كما يقال: إن الموت من ورائك، أي: من أمامك. وأصل " وراء ": ما توارى عنك، وهو يصلح لخلف ولقدام، وليس هو من الاضداد.

وقوله: { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ }: الصديد: الدم، والقيح يتجرعه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي: يتحساه، ولا يكاد يزدرده من شدة كراهيته، أي: لا يقدر يبلعه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في قوله: { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ }. قال يقرب إليه فيكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه. فإذا شربه، قطع أمعاءه، حتى يخرج من دبره. يقول: (الله تعالى):وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15]، وقال:وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [الكهف: 29].

ثم قال تعالى: { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }: أي: يأتيه الموت عن يمينه، وشماله، وخلفه، وقدامه.

وقيل: معناه: من كل مكان في بدنه من شدة عذابه.

{ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ }: أي: لا تخرج نفسه، والمعنى: يأتيه ما يُمات منه من كل جانب، وليس يموت.

قال: ابن جريج: " تعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه، فيجد لذلك راحة ".

وقيل: المعنى { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }: أي " من تحت كل شعرة في جسده ".

ثم قال: { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }: أي: من وراء ما هو فيه من العذاب، - يعني - أمامه (عذاب غليظ).

قال الفضيل: هو حبس الأنفاس.

وقال القرظي: محمد بن كعب: إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه، مات موتات، فإذا دنا منه مات موتات، فإذا شرب منه مات موتاتٍ. فهو قوله: { (وَيَأْتِيهِ) ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }.