الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ }

قوله (تعالى): { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } إلى قوله { وَخَافَ وَعِيدِ }: والمعنى: أن الله (عز وجل) أعلمنا بجواب الرسل للأمم، إذ شكت في توحيد الله سبحانه، وأنها قالت للأمم: { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ }: أي (أ)في توحيد الله شك. وهو خلق السماوات والأرض، يدعوكم إلى توحيده، وطاعته، ليغفر لكم من ذنوبكم، إن أنتم آمنتم به، واتبعتم أمره، وقبلتم نهيه. فلا يعذبكم على ما ستر عليكم من ذنوبكم، ويؤخر آجالكم، فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتب (عليكم) في أم الكتاب.

و " من " في قوله: { مِّن ذُنُوبِكُمْ } ، قال أبو عبيدة: هي زائدة، والمعنى: يغفر لكم ذنوبكم. وقيل: ليست بزائدة.

والمعنى: يغفر لكم / بعضها، إذ لا يأتي أحد يوم القيامة إلا بذنب، إلا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر في الدنيا.

والمغفرة لغيره إنما تكون في الآخرة. فأما قوله في الصف:يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [الصف: 12]، فإنما ذلك على الشرط الذي تقدم من الله لهم. فقالت الأمم لهم: { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا }: أي: ما أنتم أيها الرسل إلا بشر مثلنا في الصورة، ولستم ملائكة تريدون بقولكم هذا أن تصرفونا: { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ [آبَآؤُنَا] }: من الأوثان، { فَأْتُونَا } على قولكم: { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }: أي: بحجة ظاهرة.

ثم قال (تعالى): { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ }: أي: صدقتم في قولكم لنا: ما أنتم إلا بشر مثلنا.

{ وَلَـٰكِنَّ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ }: فيهديه، ويوفقه للحق، ويرسله إلى من يشاء من خلقه.

{ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ }: أي: بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه من توحيد الله (عز وجل)، وطاعته (جلت عظمته).

{ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }: أي بأمره، { وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ / ٱلْمُؤْمِنُونَ }: أي: عليه فليتوكل من آمن به، وأطاعه. فهذا كلام ظاهره الحظر والمنع، ولا يحظر (على فعل شيء لا يقدر) عليه البتة، ولا في الطاقة فعله، ولكن معناه: وما كنا لنأتي بسلطان { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }: نفوا ذلك عن أنفسهم، إذ، لا قدرة لهم عليه. ولو حمل على ظاهره لكان معناه: إنهم يقدرون على الإتيان بالسلطان، وهو الحجة. ولكن لا يفعلونه إلا بإذن الله، وليس الأمر كذلك (إذ) لا مقدورة لهم على ذلك البتة، فلا يتم المعنى حتى يحمل على النفي.

ثم قال تعالى: قالت لهم الرسل: { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ }: (أي: شيء لنا في ترك التوكل على الله)، { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا }. أي: قد بصرنا طريق النجاة من عذابه.

{ وَلَنَصْبِرَنَّ } ، قسم من الرسل، أقسموا ليصبرن على أذى الأمم إياهم في الله، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }.

السابقالتالي
2