قوله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } إلى قوله { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } المعنى أن الله (عز وجل) أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه قد أرسل من قبله رسلاً إلى أمم قبل أمته، وأنهم بشر مثله: لهم أزواج وذرية، وأنه لم يجعلهم ملائكة، لا ينكحون ولا ينسلون، ولم يكن { لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: ما يقدر أن يفعل ذلك رسول إلا بإذن الله. والمعنى: لا يقدر رسول (الله) أن يأتي بعلامة، (أو) آية: من تسيير الجبال، ونقل بلدة إلى بلدة أخرى، وإحياء الموتى، وغير ذلك من الآيات التي سألت قريش النبي (صلى الله عليه وسلم). { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: (إلا) بإذن الله له أن يسأل الآية فيعلم أن في ذلك صلاحاً. وقيل: إن هذا الكلام لفظه حظر، ولا يجوز أن يخطر على أحد ما لا يقدر عليه. فظاهره خطر، ومعناه: نفي. وتقديره: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله. نفى الله ذلك عن الرسل وبرأهم منه، (ومثله):{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ } [آل عمران: 161]،{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ } [آل عمران: 145]. وهو كثير في القرآن، ظاهره الحظر (والمنع)، ومعناه النفي. قوله: { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي: " لكل أمر قضاه الله، كتاب كتبه فهو عنده ". وقيل: المعنى: لكل كتاب أنزل الله من السماء أجل: فيمحو الله من ذلك { مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } ما يشاء، { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }. قال الفراء: هذا مقدم ومؤخر، معناه: لكل كتاب أجل، كقوله:{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ق: 19]: أي: سكرة الحق بالموت. (وقد قيل: إنه لا تقديم في هذا)، ولا تأخير، والمعنى: وجاءت سكرة الموت لأن سكرة الموت غير الموت. فالحق: هو الموت الذي ختمه الله على جميع خلقه. وقيل: معناه: لكل مدة كتاب مكتوب، وأمر مَقَدَّرٌ، مقضى لا تقف عليه الملائكة. ثم قال تعالى: { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } أي: يَمْحُوَ الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يغيران قاله ابن عباس. وقال مجاهد: يدبر الله أمر السنة في رمضان، فيمحو ما يشاء (من ذلك) إلا الشقاء والسعادة، والموت والحياة. وتدبير ذلك في ليلة القدر. وعن ابن عباس أيضاً معناه: يمحو ما يشاء، ويثبت من كتاب سوى، أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء. قال ابن عباس: هما كتابان: كتاب يمحو منه ما يشاء، ويثبت وعند(ه) أم الكتاب: لا يغير منه شيء، وهو قول عكرمة. وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد وسمع /، وهو يقول في الطواف: اللهم إن كنت كتبت علي الذنب والشقاء، فامْحَنْي واكتبني في أهل السعادة.