الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

قوله: { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } - إلى قوله - { مِن وَالٍ } قوله: سواء منكم، [هو مصدر]، مرفوع لأنه خبر ابتداء مقدم، ومن في الموضعين رفع بالابتداء، (لأن) " سواء " يطلب اسمين، و " من " الثانية مرفوعة بالابتداء أيضاً، والتقدير: وسواء، كما تقول: رجل عدل، أي: ذو عدل، وتقول: سواء زيد وعمرو، أي: ذو سواء، زيد، وعمرو. إنما احتجت إلى هذا الإضمار، لأن سواء مصدر ولا يرتفع، إذا كان الاسم بعده إلا على حذف، لأن الخبر ليس هو الابتداء، إلا أن تضمر، فيكون الخبر هو الابتداء في المعنى، ويكون فيه ذكر يعود على الابتداء، وهذا في الحذف كما قالت الخنساء: " فإنما هي إقبال وإدبار: أي: ذات إقبال وإدبار. وإن كان في موضع هذا المصدر اسم فاعل، لم يحتج إلى إضمار لأنه يكون هو الاسم المبتدأ، وليس المصدر هو الاسم المبتدأ. وقد كثر استعمالهم " لسواء " ، حتى جرى مجرى أسماء الفاعلين، ويجوز أن يرتفع " سواء " على أن يكون في موضع " مستوٍ ". ويكون أيضاً خبراًَ مقدماً، كالأول، لكن يكون هو الابتداء (في) المعنى: فيستغنى (عند سيبويه)، عن الإضمار، وقبيح عند سيبويه أن يكون مبتدأ، لأن النكرات لا يبتدأ بها، وإن كانت اسماً لفاعلين لضعفها عن الفعل.

وقد جمعوا " سواء " على " أسوأ " قال الشاعر:
ترى القوم أسواء إذا جلسوا معاً   وفي القوم زيفٌ مثل زيف الدراهم
ومعنى الآية: معتدل منكم عند الله عز وجل، أيها الناس: الذي أسرّ القول، والذي جهر به، والذي يستخفي بالليل، وبظلمته بمعصية الله (سبحانه)، والذي يظهر بالنهار في المعصية، وفي غيرها. كل ذلك عند الله (سبحانه) سواء لا يخفى عليه منه شيء.

ويقال: هو آمن في سِربه، وسَربه، بالفتح والكسر. والسارب في الآية: الظاهر وقيل: السارب المستخفي، من قولهم: انسرب الوحش: إذا دخل كناسَهُ، قالـ(ـه) قطرب. وأكثر الناس على أن السارب: الظاهر، لأنه عديل المستخفي المتواري، والسارب: الظاهر.

ثم قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } - الآية: قيل المعنى (لله عز وجل) معقبات، وهي الملائكة / تتعاقب على ابن آدم بالليل والنهار. فالهاء في " له " لله، والهاء في " يديه " و " خلفه: للمستخفي بالليل، والسارب بالنهار.

وقيل: الهاء في " له " تعود على " من " وهو المستخفي. ومعنى: من خلفه: " من وراء ظهره ".

وروي أن عثمان بن عفان: رضي الله عنه، " سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أخبرني عن العبد كم معه ملكاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمين على الذي على شمالك. فإذا فعلت حسنة كتب عشراً. (و) إذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب، فيقول له: لعله يستغفر الله، ويتوب. فإذا لم يتب منها، قال: نعم اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين ".


السابقالتالي
2 3