قوله: { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } - إلى قوله - { أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }. والمعنى: ومر قوم يسيرون، من مارة الطريق، { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ }: وهو الذي يرد المنهل (أ) والمنزل، وور(و)ده إياه، مصير إليه { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } ، أي: أدخلها الجب، وأرسلها. يقال: أدليت الدلو: إذا أرسلتها في الجب، ودلوتها إذا أخرجتها؟. وفي الكلام حذف، والمعنى: فدلى دلوه: أي: أخرجها فتعلق بها (يوسف)، فقال المدلـ(ـي): (يا بشراي هذا غلام). فقال السدي: لما رآه قد تعلق، نادى رجلاً من أصحابه، يقال له: بشرى: يا بشرى، هذا غلام. وكذلك قال ابن جبير، وقتادة. وهو معنى قراءة من قرأ: " يا بشراي ". وقيل المعنى: يا بشار(تـ)ـي دعا بشارته. ومن قرأ بغير ياء، احتمل أن يكون دعا رجلاً اسمه بشرى فلم يضفه إلى نفسه، فهو في موضع رفع. وقيل: إنه دعا البشرى، كأنه قال: يا أيتها البشرى. ومعنى نداء البشرى: أنه على تنبيه المخاطبين، وتوكيد القصة. فكأنه قال: يا قوم أبشروا، ويجوز أن تكون هذه / القراءة، يراد بها الإضافة، ثم حذف(ت) الياء. ثم قال تعالى: { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } أي: وأسر يوسف الوُرَّادُ بضاعة من التجار. قالوا لهم: هو معنا بضاعة، استَبْضَعْنَاهُ بعض أهل الماء " التي " إلى مصر. وذلك أن السدي قال: لما رفعه المستدلي، وأصحابه، باعو(ه) من رجلين. فخاف من التجار أن يعلموا بثمنه. فيقولـ(ـون) لهما: أشركانا فيه. فقالوا: هو بضاعة (معنا) لأهل الماء. وقال مجاهد: المعنى " أسره التجار بعضهم من بعض ". وعن ابن عباس: أن المعنى: وأسره إخوته، وأسر يوسف نفسه (من التجار) خوفاً أن يقتله إخوته. واختار البيع، وذلك أن إخوته ذكروه لوارد القوم، فنادوا الوارد: يا بشرى هذا غلام يباع، فباعه إخوته. ثم قال تعالى: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } أي: بثمن ذي بخس، أي: حرام. وقوله: (وشَرُوْهُ): يحتمل أن يكون معناه: وباعوه، وأن يكون اشتروه، وهو من الأضداد. قال مجاهد: باعه إخوته حين أخرجه المدلى. وقال قتادة، وغيره: المعنى: وباعه السيارة من بعض التجار، بثمن بخس. وقيل: المعنى: فاشتراه السيارة من إخوته بثمن بخس، وهو اختيار الطبري، ثم خافوا أن يشركهم فيه أصحابهم، وقالوا هو بضاعة. معنى: { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } ، أي: إخوته. وقيل: هم الذين اشتروه، والأول أحسن، لأن إِشراءَهُم إياه من التجار يدل على (آن) رغبتهم فيه، وبيع إخوته له بثمن بخس يدل على زهادتهم فيه. ويجوز أن يكون الضمير: الوارد، أي: وكان الوارد الذي رفعه من الجب فيه من الزاهدين، والذين اشتروهم الذين اشتروه من الوارد، وليسوا بزاهدين فيه، بل اشتروه خوفاً أن يشركهم فيه غيرهم لرغبتهم فيه.