قوله: { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } إلى قوله { يَفْعَلُونَ }. والمعنى: وليس ينفعكم تحذيري إياكم عقوبة على كفركم. { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } أي: يهلككم. وقيل: معناه: يحييكم، وحكي عن بعض العرب أنها تقول: أصبح فلاناً غاوياً: أي: مريضاً. وهذه الآية من أبْيَنِ آية في أن الأمر كله لله عز وجل، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، لا مُعْقِب لحكمه يفعل ما يشاء. وقد قالت المعتزلة: إن معنى: " أن يغويكم: أن يهلككم، وكذبوا على الله، سبحانه، وعلى لغة العرب: ولو كان الأمر كما قالوا، لكان معنى قوله:{ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } [البقرة: 256]: من الهلاك، وهذا لا معنى له. إنما هو الضلال، الذي هو نقيض الرشد. ولكان معنى قوله:{ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [طه: 121]: فهلك، ولم يهلك إنما ضل. ولكان معنى قوله:{ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ } [القصص: 63] بمعنى الهلاك، ولا معنى لذلك، إنما هو بمعنى الضلال كُله. ولكان قوله:{ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ } [الحجر: 39] بمعنى: لأهلِكَنَّهُم: وهذا لا يقوله أحد، ولا معنى له. وقوله تعالى:{ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } [مريم: 59] معناه: هلاكاً. { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }: أي: بعد الهلاك. ثم قال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ }: أي: أيقولون؟ وهذه " أم " المنقطعة بمعنى الألف، أي: اختلقَه. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى: أيقول قومك: اختلق هذا الخبر عن نوح عليه السلام، قل لهم: يا محمد! { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي }: أي: إثم جرمي، لا تؤخذون به، { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ } من إثم جرمكم، ولا آخذ به. يقال: أجرم فلان: أي: كسب الإثم. وأجاز أبو إسحاق " أجرامي " بفتح الهمزة جمع جرم. ثم قال تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } والمعنى: إنه لما حَقَّ عليهم العذاب، أعلم أنه لن يؤمن أحد ممن بقي، { فَلاَ تَبْتَئِسْ }: أي: لا تحزَنْ على فعلهم، وكفرهم، وذلك حين قال:{ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26].