الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } * { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }

قوله: { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } إلى قوله: { قَوْماً تَجْهَلُونَ }:

المعنى: أنهم قالوا له: ما نراك إلا آدمياً مثلنا في الخلق. فأنكروا أن يرسل الله عز وجل، بشراً إلى الخلق، ثم قالوا: { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } أي: السفلة، دون الأكابر. وقيل: هم الفقراء، وقيل: هم الخسيسو الصناعات. وروي في الحديث أنهم كانوا حاكة، وحجامين. ولا يقال رجل أرذل، ولا امرأة رذلاء حتى تدخل الألف واللام، أو يضاف.

وقوله: { بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } مَنْ همزه جعله من الابتداء، أي: اتبعوك ابتداء، ولو فكروا لم يتبعوك. ومن لم يهمز، جاز أن يكون على تخفيف الهمزة، وجاز أن يكون من بَدَا يَبْدو: إذا ظهر، أي: اتبعوك في ظاهر الرأي، وباطنهم على خلاف ذلك.

وقيل: المعنى: اتبعوك في ظاهر الرأي، ولو تدبروا لم يتبعوك.

وقيل: المعنى: اتبعوك في ظاهر الرأي الذي ترى، وليس تدري باطنهم.

ونصبه عند الزجاج على حذف " في " أو على مثل:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [الأعراف: 155].

وقيل: المعنى: أنه نعت لمصدر محذوف، والمعنى " اتباعاً ظاهراً ".

ثم حكى الله عز وجل، عنهم قالوا لمن آمن بنوح صلى الله عليه وسلم: { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } إذ آمنتم بنوح { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }: أي: في دعوتكم أن الله عز وجل، ابتعث نوحاً رسولاً. وهذا خطاب لنوح، لأنهم به كذبوا، فخرج الخطاب له مخرج خطاب الجميع.

قال نوح لقومه: { يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ }: أي: على معرفة به، وعلم.

/ { وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ }: أي: رزقني التوفيق، والنبوءة، والحكمة، فآمنت، وأطعت.

{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ }: أي: عميت عليكم الرحمة، أي: خفيت، فلم تهتدوا لها.

والرحمة عند الفراء: الرسالة. ومن شدد فمعناه: " فَعَمَّها " الله عليكم، أي: خفاها. وفي قراءة عبد الله، وأُبَيّ: " فَعَمَّاهَا الله عليكم " وقد أجمع الجميع على التخفيف في " القصص " ، ولا يجوز غيره.

ثم قال: { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } أي: أنآخِذُكُمْ بالدخول في الإسلام على كره منكم، فنلزمكم ما لا تريدون.

يقول صلى الله عليه وسلم: " لا تَفْعَلْ ذلك، بل نكل أمرهم إلى الله، سبحانه ".

قال النحاس: { أَنُلْزِمُكُمُوهَا }: أنجبها عليكم. وأنتم لها كارهون. وقيل: معنى { أَنُلْزِمُكُمُوهَا }: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.

وقيل: الهاء في { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } للرحمة. وقيل: للبينة.

ثم حكى الله عنه أنه قال: { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً }: أي: لا آخذ منكم على نصحي إياكم، ودعائيَ لكم إلى الإيمان { مَالاً }: ما أجري في ذلك إلا على الله، هو يجازيني ويثيبني. { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }: أي: لست أطردهم، ولا الذين آمنوا بي. وذلك أنهم سألوه أن يطردهم.

قال ابن جريج: قالوا: " إن أحببت أن نتبعك فاطردهم. فقال: لا أطردهم ملاقوا ربهم، فيجازي من طردهم وآذاهم، ويسألهم عن أعمالهم.

ثم قال لهم: { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }: أي: تجهلون ما يجب عليكم من حق الله.