قوله: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } إلى قوله: { لِلْمُؤْمِنِينَ } والمعنى: وما كان ربك يا محمد أن يهلك القرى التي قص عليك نبأها (بظلم)، وأهلها مصلحون، ولكن أهلكها بكفرها. وقيل: المعنى: ما كان الله ليهلكهم بظلمهم، أي: بشركهم، وهم مصلحون، لا يتظالمون بينهم، إنما يهلكهم إذا جمعوا مع الشرك غيره من الفساد. ألا ترى إلى قوله في قوم لوط؟:{ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } [هود: 78]، يريد الشرك، فعذبهم باللواط الذي أضافوه إلى شركهم. وأخبر الله عن قوم شعيب أنه عذبهم لنقصهم الكيل، وأمسك عن ذكر شركهم، وهذا قول غريب. وقال الزجاج المعنى: " ما كان ربّك ليهلك أحداً، وهو يظلمه كما قال:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } [يونس: 44]. ثم قال / تعالى: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً }: (أي): " على مِلّة واحدة، ودين واحد ". قال قتادة: كلّهم مسلمين، { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }: أي لا يزال الناس مختلفين. وروي عن ابن عباس أنّه يعني في الأديان: اليهود، والنصارى. وقيل: في الأرزاق، هذا فقير، وهذا غني. قاله الحسن. وقيل: في المغفرة والرحمة. { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ }: أي: لكن من رحم ربك فإنه غير مختلف. وقيل: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ }: أهل الإيمان والإسلام. وقوله: { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن: للاختلاف في الأرزاق خلقهم. وقال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقاً يرحم، وفريقاً لا يرحم يختلف، وذلك قوله:{ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [هود: 105]. وقال عطاء: ولذلك خلقهم: يعني: مؤمناً وكافراً. وقال أشهب: سألت مالكاً، رحمه الله، عن قوله: { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } فقال: خلقهم ليكونوا فريقاً في الجنّة، وفريقاً في السعير. ففي الكلام على هذا القول تقديم وتأخير، والتقدير: " إلا من رحم ربك، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم من الجنة والناس أجمعين، ولذلك خلقهم ". وقد كان يجب في قياس العربية على هذا التقدير أن يكون اللفظ: وتمّت كلمته. وروى ابن وهب: عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، أنه قال في معنى الآية: خلق الله أهل رحمته لئلا يختلفوا. وقيل: المعنى: وللرحمة خلقهم. والرحمة، والرحم واحدة، فلذلك ذكر. قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك. وروي أيضاً ذلك عن ابن عباس، وقيل: إنّ هذا متعلق بما قبله، وهو قوله:{ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } [هود: 116]، ولذلك خلقهم. (وقيل: هو متعلق بما قبله بقوله: { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ، ولذلك خلقهم): وهو قول مالك المتقدّم. وقيل: المعنى: وللاسعاد خلقهم، وقيل: للإسعاد والإشقاء خلقهم. ثم قال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ }: أي: وجبت { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }: لما تقدم في علمه أنهم يستوجبون ذلك.