الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

قوله: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } - إلى قوله - { غَيْرَ مَجْذُوذٍ }:

والمعنى: إن في أخذه القرى لعظةً، وعبرةً / ممن خاف عذاب الآخرة، وحجة عليه.

{ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ }: أي: يُحشَر الناس كلهم من قبورهم للجزاء فيه. { (وَذَٰلِكَ يَوْمٌ) مَّشْهُودٌ }: أي: يشهده الخلق كلهم: أهل السماء، وأهل الأرض، وهو يوم القيامة.

قال ابن عباس: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يومُ القيامة.

ثم قال تعالى: { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ }: أي: ما نؤخره يوم القيامة عنكم إلا لأجل قد قضيتُهُ، وعددتُهُ وأحصيتُهُ. فلا يتقدم اليوم ولا يتأخر.

ثم قال تعالى: { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }: أي: يوم تقوم الساعة ما تكلم نفس إلا بإذن الله، وهو مثل قوله:هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } [المرسلات: 35]. وقد قال في موضع آخر:فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 50]، وقال:يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [النحل: 111]، وقال:وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [الصافات: 24]، وقال:فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [الرحمن: 39]. وهذه الآيات يسأل عنها أهل الإلحاد. فالجواب عن ذلك: أنه تعالى قد أحصى الأعمال، وعَلِمَها قبل أن تكون، فلا حاجة (له) إلى سؤال أحد عن ذنبه، (ليعلم) ما عنده. فأما قوله: (إنهم مسئولون) فإنما هو سؤال توبيخ، وتقرير، لا سؤال استخبار.

وقوله: { لاَ يَنطِقُونَ } بحجة تجب لهم، وإنما يتكلمون بذنوبهم، ويلوم بعضهم بعضاً بعد أن ينطلق لهم الكلام، فكلامهم بإذنه تعالى في لوم بعضهم بعضاً، لا في حجة يقيمونها لأنفسهم.

{ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }: أي: فمن هذه النفوس التي لا تتكلم إلا بإذن الله، سبحانه، شقي وسعيد.

وذكر ابن الأنباري أنه قد قيل: إن الضمير لأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصة: أي: فمن هذه الأمة يا محمد شقي، وسعيد { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ... } { خَالِدِينَ فِيهَا... } { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ }: أي: إلا ما شاء الله من ترك خلودهم، وإخراجهم إلى الجنة بإيمانهم على ما روي في الآثار المشهورة.

والأشهر أن الضمير في " فمنهم " يعود على الخلق كلهم، على كل نفس. { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }: قال ابن عباس: " صوت شديد، (وصوت) ضعيف ".

قال أبو العالية: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، وروي عنه ضد ذلك.

قال قتادة: " صوت الكافر في النار صوت الحمار، أَوَّله زفيرٌ، وآخره شهيق. وقال أهل اللغة: الزفير مثل: " ابتداء صوت الحمار في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في النهيق ".

(ولما نزلت) هذه الآية، قال عمر رضي الله عنه: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا نبي الله فعلام عملنا؟: على شيء قد فرغ منه؟ أم على شيء لم يُفْرَغْ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على شيء قد فرغ مِنه يا عمر، وجرت به الأقلام، ولكن كل مُيَسَّر لما خلق له ".


السابقالتالي
2 3