الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً } إلى قوله { تَكْسِبُونَ }.

قوله: { مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } الهاء: تعود على العذاب، وقيل: على اسم الله عز وجل. ويشهد لرجوعها على " العذاب " قوله:وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [الحج: 47، العنكبوت: 53]، ويشهد لرجوعها على الله سبحانه قوله:بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [المعارج: 1-2]، فإذا جعلتها عائدة على " العذاب " ، " فما " في موضع رفع بالابتداء، وإذا جعلتها بمعنى " الذي " خبر " ما " ويجوز أن تكون " ما " و " ذا " شيئاً واحداً في موضع رفع. والخبر في الجملة، وإن جعلت " الهاء " تعود على اسم الله سبحانه وجعلت " ما " و " ذا " اسماً واحداً كانت " ما " في موضع نصب بمستعجل والمعنى: أي شيء يستعجل من الله المجرمون، وإن جعلت " ما " اسماً، و " ذا " بمعنى " الذي " كانت كالأولى: ابتداء وخبر. وكون الهاء تعود على العذاب أحسن لقوله: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }. والمعنى: قل لهم يا محمد: أرأيتم إن أتاكم هذا الذي تستعجلون به من العذاب ليلاً أو نهاراً ما يستعجل من نزول العذاب المجرمون، وهم لا يقدرون على دفعه.

فمعنى الكلام: الإنكار عليهم لاستعجالهم بأمر، لا يقدرون على دفعه إذا حل بهم. ثم قال تعالى: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }.

قال الطبري: " أثم " بمعنى " هنالك " إذا وقع العذاب بكم آمنتم بالله عز وجل. وليست عنده، ثم التي للعطف, وهو غلط منه. وإنما التي تكون بمعنى " هنالك " هي المفتوحة / الثاء بمنزلة قوله:وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً } [الإنسان: 20]. والتقدير عند غيره أنها " ثم " التي للعطف. وفي الكلام حذف. والتقدير: أتأمنون إذا نزل بكم العذاب، فتؤمنون ثم يقال لكم: الآن آمنتم، وقد كنتم تريدون استعجاله، وحلوله بكم، فلما عاينتم حلوله آمنتم حين لا ينفعكم الإيمان، وهو مثل قوله:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84] إلى قولهبَأْسَنَا } [غافر: 85]: أي: لم ينفعهم الإيمان عند معاينة العذاب. كذلك سنة الله عز وجل في الكافرين لا يقيلهم من كفرهم عند معاينتهم العذاب.

و " آلآنَ " عند الفراء أصلها: أوان، ثم حذفت الهمزة الثانية منها، وقُلِبَتْ الواو ألفاً، ثم دخلت الألف واللام وبنيت على الفتح.

وقيل: أصلها " آن " مثل " حان " ثم دخلتها الألف واللام، وبقيت على فتحها مثل: " قيل، وقال ".

وقال الزجاج: لا يحسن هذا القول: لأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه الألف واللام، كما لا تدخل على " قيل ".

وقال سيبويه: سبيل الألف واللام أن يدخلا لمَعْهُود، و " الآن ": ليس بمعهود، وإنما معناه: " نحن في هذا الوقت نفعل كذا، فلما تضمنت هذا بنيت على الفتح ".

قوله: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي: ظلموا أنفسهم.

{ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ }: أي: العذاب الدائم. هل تجزون إلا ما عملتم في حياتكم من المعاصي، وما اكتسبتم في دنياكم.