الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله: { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ } إلى قوله { يَظْلِمُونَ }.

أخبر الله عز وجل نبيه في هذه الآية: أن من قريش من يؤمن بالقرآن فيما يستقبل، ومنهم من لا يؤمن به أبداً. سبق كل ذلك في علمه تعالى.

وقيل: المعنى: ومنهم من يصدق بالقرآن، ويظهر الكفر عناداً، واتقاء على رياسته، { وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ } سراً ولا علانية.

ثم قال تعالى: { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } أي: لي ديني وجزاؤه، ولكم دينكم وجزاؤه.

{ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ } لا تؤاخذون به { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } لا أؤاخذ به: هذا مثل قوله:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 1-2]. وهذا كله أمر بالمواءمة نسخ ذلك بالأمر بالمحاربة، والقتل في " براءة " وغيرها.

وقيل: معناه، وفائدته: فقل لي علم عملي: أي: ذلك عندي، وعلم عملكم عندكم، أي: عندي علم ثواب عملي، وهذا مثل قول النبي، عليه السلام، " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم " ، أي: عنده علم ثوابه: الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم، فهو أعظم أجراً من ذلك.

وقال ابن زيد: هذه الآية منسوخة، نسخها الأمر بالقتال.

ثم قال: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ }: أي: / يستمعون القرآن.

قوله: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } أي: تخلق لهم سمعاً، ولو كانوا لا سمع لهم يعقلون به، فكأنهم من شدة عداوتهم، وانحرافهم عن قول النبي بمنزلة الصم.

وقيل: إن هذا إعلام من الله عز وجل لعباده أن التوفيق إلى الإيمان بيد الله، ومثله الكلام على قوله: { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ }: وهو نظر الاعتبار إلى حجج النبي وإعلامه على نبوءاته ولكن الله عز وجل سلبه التوفيق فلا يقدر أحد على هدايته، كما لا يقدر أحد أن يحدث للأعمى بصراً.

هذه الآية تسلية من الله، جلَّ ذكره، لنبيه عن جماعة من كفر به من قومه.

وقيل: المعنى: ومنهم من يقبل عليك بالاستماع، والنظر، وهو كالأصم، والأعمى من بغضه لك يا محمد، وكراهيته لما يراه من آياتك، فهو كالأصم، والأعمى، إذ لا ينتفع بما يرى، ولا بما يسمع كما قال:يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [الأحزاب: 19].

ثم قال تعالى ذكره { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً }: أي: لا يبخسهم حقهم، فيعاقبهم بغير كفر { وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.

وقال الفراء: إذا كانت " لكن " لا وَاوَ معها أشبهت " بل ". فتؤثر العرب تخفيفها، ليكون ما بعدها بمنزلة " ما " بعد " بل " من الابتداء والخبر إذا كانت مثل " بل " ، وإذا كانت معها الواو، وخالفت بل، فتؤثر العرب التشديد لينصبوا ما بعدها، فيخالفوا به ما بعد بل، كما خالفت هي بل. والناس يظلمون أنفسهم باكتسابهم الخطايا التي توجب العقاب على أنفسهم.

والمعنى: أن الله جلَّ ذكره، لم يهمل الناس، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، واتخذ عليهم الحجة بالعقل، والسمع، والبصر. ثم جازاهم بأعمالهم بعد أن أمرهم، ونهاهم، فأكرم الطَّائِعَ، وأهان العَاصِيَ، وهذا هو العدل الظاهر البيّن.