الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

اختلف النحويون في " إياك وإياه وإياي "؛ فللبصريين فيها قولان:

- أحدهما: أن " إيا " اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف. ولا يعرف في كلام العرب اسم مضمر مضاف إلى ما بعده غير هذا.

وحكى الخليل عن العرب: " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب ". فأضاف " إيا " إلى الشواب للبيان.

- والقول الثاني: مروي عن المبرد قال: " إن " إيا " اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف، ولا يعرف في كلام العرب اسم مبهم أضيف إلى ما بعده غير هذا ".

وللكوفيين في هذا أيضاً ثلاثة أقوال.

- حكى ابن كيسان وغيره. عنهم أن " إياك " بكماله اسم مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره، فتقول: " إياه وإياك وإياي ".

- والقول الثاني: إن الكاف والهاء والياء، هن الاسم المضمر في " إياك وإياه وإياي " ، لكنه اسم لا يقوم بنفسه ولا ينفرد ولا يكون إلا متصلاً بما قبله من الأفعال، فلما تقدم على الفعل لم يقم بنفسه فجعل " إيا " عماداً له ليتصل به، ولو أخرت لا تصل المضمر بالفعل واستغنيت عن " إيا " فقلت: " نعبده " و " نعبدك ". وهو اختيار ابن كيسان.

- والقول الثالث: حكاه أيضاً ابن كيسان؛ وهو أن " إيا " اسم مبهم يكنى به / عن المنصوب وزيدت إليه الكاف والهاء والياء في: إياك وإياه وإياي ". " ليعلم المخاطب / من الغائب من المُخْبِر عن نفسه ولا موضع للكاف والهاء والياء من الإعراب، فهي كالكاف في " ذلك " وأرأيتك زيداً ما صنع ". ذكر معنى جميع ذلك ابن كيسان في كتابه في تفسير القرآن وإعرابه ومعانيه.

والعبادة في اللغة التذلل بالطاعة والخضوع.

فمعنى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }: نذل لك ونخضع بالعبادة لك ونستعين بك على ذلك.

وإنما قدم { نَعْبُدُ } على { نَسْتَعِينُ } وقد علم أن الاستعانة قبل العبادة، والعمل لا يقوم إلا بعون الله، لأن العبادة لا سبيل إليها إلا بالمعونة، والمعان على العبادة لا يكون إلا عابداً. فكل واحد مرتبط بالآخر: لا عمل إلا بمعونة ولا معونة إلا تتبعها عبادة، فلم يكن أحدهما أولى بالتقديم من الآخر، وأيضاً فإن الواو لا توجب ترتيباً عند أكثر النحويين.

وأما علة تكرير { إِيَّاكَ } فمن أجل اختلاف الفعلين إذ أحدهما عبادة والآخر استعانة.

/ وقيل: كرر للتأكيد كما تقول: " المال بين زيد وعمرو، بين زيد وبين عمرو " ، فتعيد " بين " للتأكيد.

السابقالتالي
2