الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } * { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } * { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِذا زُلزلت الأرضُ } أي: حُركت تحريكاً عنيفاً مكرراً متداركاً، { زِلزالها } أي: الزلزلة المخصوصة بها على مقتضى المشيئة الإلهية، وهو الزلزال الشديد الذي لا غاية وراءه، أو: زلزالها العجيب الذي لا يُقادر قدره. قال ابن عرفة: المراد: الأرض الأولى لأنّ الثانية ليس فيها أموات. ولكن السموات عند المنجِّمين متلاصقة بعضها مع بعض، وكذلك الأرضون، وعندنا يجوز أن يكون بينهما تخلُّل، وهو ظاهر حديث الإسراء. هـ. وذلك عند النفخة الثانية لقوله تعالى: { وأخرجت الأرضُ أثقالها } أي: ما في جوفها من الأموات والدفائن، جمع: ثِقُل، وهو: متاع البيت، جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالاً لها. وإظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير، أو: للإيماء إلى تبدُّل الأرض غير الأرض. { وقال الإنسانُ } أي: كل فرد مِن أفراده، لِما يدهمهم من الطامة التامة، ويبهرهم من الداهية العامة: { ما لها } زُلزلت هذه الزلزلة الشديدة، وأخرجت ما فيها من الأثقال، استعظاماً لِما شهدوه من الأمر الهائل، وقد سُيرت الجبال وفي الجو فصارت هباءً. وهذا قول عام يقوله المؤمن بطريق الاستعظام، والكافر بطريق التعجًّب. { يومئذٍ تُحَدِّثُ أخبارَها } يوم إذا زلزلت الأرض تُحَدِّث الناس أخبارها بما وقع على ظهرها، قيل: يُنطقها اللهُ وتُحدِّث بما وقع عليها خيرٍ وشر، رُوي عنه صلى الله عليه وسلم: " أنها تشهد على كل أحدٍ بما عمل على ظهرها " { بأنّ ربك أوْحى لها } أي: بسبب أنَّ ربك أوحى لها بأن تُحَدِّث أي: أَمَرَها بذلك. والحديث يستعمل بالباء وبدونها، يقال: حدثت كذا وبكذا، و " أوحى " يتعدى باللام وبـ " إلى ". { يومئذٍ } أي: يوم إذ يقع ما ذكر { يَصْدُر الناسُ } من قبورهم إلى موقف الحساب { أشتاتاً } متفرقين طبقات منهم بِيض الوجوه آمنين، ومنهم سُود الوجوه فزعين، كما في قوله تعالى:فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } [النبأ:18] وقيل: يصدرون عن الموقف أشتاتاً، ذات اليمين إلى الجنة، وذات الشمال إلى النار، { لِيُرَوا أعمالَهم } أي: جزاء أعمالهم خيراً أو شراً. { فمَن يعمل مثقالَ ذرةٍ خيراً يَرَهُ } ، والذرة: النملة الصغيرة. وقيل: ما يرى في شعاع الشمس من البهاء. و " خيراً ": تمييز، { ومن يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يَرَهُ } قيل: هذا في الكافر، والأُولى في المؤمنين. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ليس مؤمن ولا كافر، عَمِلَ خيراً ولا شرًّا في الدنيا إلاّ يراه في الآخرة، فأمّا المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر اللهُ سيئاته ويُثيبه بحسناته، وأمّا الكافر فيَرُدُّ اللهُ حسناته ويُعذبه بسيئاته. وقال محمد بن كعب: الكافر يرى ثوابه في الدنيا، في أهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، والمؤمن يرى عقوبته في الدنيا، في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر.

السابقالتالي
2