الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { لم يكن الذين كفروا } أي: بالرسول وبما أنزل عليه { من أهل الكتاب } اليهود والنصارى، { والمشركين } عبَدة الأصنام { منفكِّين } منفصلين عن الكفر، وحذف لأنَّ صلة " الذين " يدل عليه، { حتى تأتِيَهم البَيِّنَةُ } الحجة الواضحة، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم. يقول: لم يتركوا كفرهم حتى بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلمّا بُعِثَ أسلم بعض وثبت على الكفر بعض. أو: لم يكونوا منفكين، أي: زائلين عن دينهم حتى تأتيَهم البَينة ببطلان ما هم عليه، فتقوم الحجة عليهم. أو: لم يكونوا لينفصلوا عن الدنيا حتى بَعَثَ اللهُ محمداً فقامت عليهم الحجة، وإلاّ لقالوا:لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً... } [طه:134] الآية. وتلك البينة هي { رسولٌ من الله } أي: محمد صلى الله عليه وسلم وهو بدل من " البينة " { يتلو } يقرأ عليهم { صُحفاً } كتباً { مُطَهَّرةً } من الباطل والزور والكذب، والمراد: يتلو ما يتضمنه المكتوب في الصحف، وهو القرآن، يدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يتلو القرآن عن ظهر قلبه، ولم يكن يقرأ مكتوباً لأنه كان أُميًّا لا يكتب ولا يقرأ الصحف، ولكنه لَمَّا كان تالياً معنى ما في الصُحف فكأنه قد تلى الصُحف. ثم بيّن ما في الصُحف، فقال: { فيها } أي: في الصُحف { كُتب قَيِّمةٌ } مستقيمة ناطقةٌ بالحق والعدل. ولَمّا كان القرآن جامعاً لِما في الكتب المتقدمة صدق أنَّ فيه كُتباً قيمة. { وما تَفَرَّقَ الذين أُوتوا الكتاب إِلاَّ مِن بعد ما جاءتهم البينةٌ } أي: وما اختلفوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلاَّ مِن بعد ما عَلِموا أنه حق، فمنهم مَن أنكر حسداً، ومنهم مَن آمن. وإنّما أفرد أهل الكتاب بعدما جمع إولاً بينهم وبين المشركين لأنهم كانوا على علمٍ به لوجوده في كتبهم، فإذا وُصفوا بالتفرُّق عنه كان مَن لا كتاب له أدخل في هذا. وقيل: المعنى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، أي: منفصلين عن معرفة نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ حتى بعثه الله. { وما أُمروا إِلاَّ ليعبدوا اللهَ } أي: ما أُمروا في التوراة والإنجيل إلاّ لأجل أن يعبدوا الله وحده من غير شرك ولا نفاق، ولكنهم حرّفوا وبدّلوا. وقيل: اللام بمعنى " أن " أي: إلاّ بأن يعبدوا الله { مخلصين له الدينَ } أي: جاعلين دينَهم خالصاً له تعالى، أو: جاعلين أنفسهم خالصة له في الدين. قال ابن جُزي: استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء، وهو بعيد لأنَّ الإخلاص هنا يُراد به التوحيد وترك الشرك، أو ترك الرياء. انظر كلامه، وسيأتي بعضه في الإشارة. { حنفاءَ } مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام، { ويُقيموا الصلاةَ ويُؤتوا الزكاةَ } إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة، فالأمر ظاهر، وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أمرهم بالدخول في شريعتنا، { وذلك دِينُ القيِّمة } أي: الملة المستقيمة.

السابقالتالي
2