الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

يقول الحق جلّ جلاله: { كذبتْ ثمودُ } صالحاً { بطغواها } أي: بسبب طغيانها، إذ الحامل لهم على التكذيب هو طغيانهم، وفيه وعظ لأمثالهم، وتهديد للحاضرين الطاغين لأنَّ الطغيان أجرم الجرائم الموجبة للهلاك والخيبةِ في الدنيا والآخرة. { إِذ انبعث أشقاها } ، منصوب بـ " كذبتْ " ، أي: حين قام أشقى ثمود، وهو: قُدّار بن سالف، أو: هو ومَن تصدّى معه للعقر من الأشقياء، فإنَّ أفعل التفضيل إذا أضيف يصلح للواحد والمتعدد، والمذكر والمؤنث. وفضل شقاوتهم على مَن عداهم لمباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضا به. { فقال لهم } أي: لثمود { رسولُ الله } صالح عليه السلام عبَّر عنه بعنوان الرسالة إيذاناً بوجوب طاعته وبياناً لغاية عتوهم، وهو السر في إضافة الناقة إليه تعالى في تقوله: { ناقةَ الله } أي: احذروا عقرها، أو احفظوها، { و } الزموا { سُقياها } فلا تُدَوروها في نوبتها، وهما منصوبان على التحذير. { فكذّبوه } فيما حذّرهم به من نزول العذاب بقوله:وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأعراف:73]، { فعقروها } ، أسند الفعل إليهم، وإن كان العاقر واحداً، لقوله:فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [القمر:29] لرضاهم به. قال قتادة: بلغنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم. وذكرانهم وإناثهم ". { فَدَمْدَمَ عليهم ربُّهم } فأطبق عليهم العذاب حتى استأصلهم. قال الهروي: إذا كررت الإطباق قلت: دمدمت عليه، أي: أدمت عليه الدمدمة وقيل: فدمدم عليهم: عَضِبَ عليهم، { بذنبهم } بسبب ذنبهم، وصّرح به مع دلالة الفاء عليه للإيذان بأنه عاقبة كل ذنب ليعتبر به كل مذنب. { فسوَّاها } أي: الدمدمةّ بينهم، لم يفلت منهم أحد من صغيرهم وكبيرهم، أو فسوّى ثمود بالأرض بتسوية بنائها وهدمه، { وَلآ يَخَافُ عُقْبَآهَا } [الشمس:15] أي: عاقبتها وتَبِعَتها، كما يخاف سائر المعاقِبين أي: فعل ذلك غير خائف أن يلحقه تبعة مِن أحد، كما يخاف مَن يعاقب مِن الملوك وغيرهم لأنه تصرف في ملكه،لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [الأنبياء:23]. ومَن قرأ بالواو فهو للحال، أو الاستئناف. الإشارة: قال القشيري: كذبت ثمودُ النفس بسبب طغيانها على القلب بالشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية، إذ انبعث أشقاها، هو الهوى المتبع، الساعي في قتل ناقة الروح، فقال لهم رسول الله القلب الصالح: ناقةَ الله أي: اتركوا ناقةَ الله ترعى في المراتع الروحانية، من المكاشفات والمشاهدات والمعاينات، فكذّبوه فكذبت ثمود النفس وجنودُها رسولَ القلب، فعقروها، أي: الروح بالظلمة النفسانية والشهوة الحيوانية، فَدَمْدَم عليهم ربُّهم على ثمود النفس وقومها عذاب البُعد والطرد بذنبهم، فسوّاها، أي: فسوّى الدمدمة، وهي الإطباق على النفس وجنودها، فلا يخاف عقباها لغناه عن العالمين. هـ. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.