الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }

يقول الحق جلّ جلاله: { والشمسِ وضُحاها } أي: وَضوئها إذا أشرقت وقام سلطانها، { والقمرِ إِذا تلاها } تبعها في الضياء والنور وذلك في النصف الأول من الشهر، يخلف القمرُ الشمسَ في النور، { والنهارِ إِذا جلاَّها } أي: جلّى الشمسَ وأظهرها للرائين، وذلك عند افتتاح النهار وانبساطه لأنَّ الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء، وقيل: الضمير للظلمة أو الأرض، وإن لم يجر لها ذكر، كقوله:مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } [فاطر:45]، { والليلِ إِذا يغشاها } أي: يستر الشمس ويُظْلِمُ الأفاق، والواو الأولى في هذه الأشياء للقسم باتفاق، وكذا الثانية عند البعض وعند الخليل: الثانية للعطف لأنَّ إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز، ألا ترى: أنك لو جعلت مرضعها كلمة الفاء أو " ثم " لكان المعنى على حاله، وهما حرفا عطف وكذا الواو، ومَن قال: إنها للقسَمَ احتجّ بأنها لو كانت للعطف لكان عطفاً على عاملين، لأنَّ قوله:وَٱلْلَّيْلِ } [الليل:1] ـ مثلاً ـ مجرور بواو القسم، { إِذا يغشى } منصوب بالفعل المقدّر الذي هو أقسم، فلو جعلت الواو التي فيوَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [الليل:2] للعطف لكان النهار معطوفاً على الليل جرًّا، و { إذا تجلى } معطوفاً على " يغشى " نصباً، وكان كقولك: إنَّ في الدار زيداً، والحُجرة عَمْراً، وأجيب بأنّ واو القسم تنزّلت منزلة الباء والفعل، حتى لم يجز إبراز الفعل معها، فصار كأنها العاملة جرًّا ونصباً، وصارت كعاملٍ واحد له معمولان، وكلُّ عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحدٍ بالاتفاق، نحو: ضرب زيدٌ عمراً وأبو بكر خالداً، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام العامل. { والسماءِ وما بناها } أي: ومَن بناها، وإيثار " ما " على " مَنْ " لإرادة الوصفيّة تفخيماً، كأنه قيل: والقادر العظيم الذي بناها، وجعلُها مصدرية مخلّ بالنظم الكريم، وكذا في قوله: { والأرضِ وما طحاها } أي: بسطها من كل جانب، كـ " دحاها ". { ونفسٍ وما سوَّاها } أي: والحكيم الباهر الحكمة الذي سوّاها وأتقن صورتها، مستعدة لكمالاتها، والتنكير للتفخيم، على أنَّ المراد نفس آدم عليه السلام أو للتكثير، وهو الأنسب للجواب، أي: ومَن سوّى كلَّ نفس، { فألْهَمَها فجورَها وتقواها } أي: ألهمها طاعتها ومعصيتها، وأفهمها قبح المعصية وحسن الطاعة أو عَرَّفها طرق الفجور والتقوى، وجعل لها قوة يصح معها اكتساب أحد الأمرين، ويحتمل أن تكون الواو بمعنى " أو " كقوله:إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان:3] أي: ألهم مَن أراد شقاوتها فجورها فسعت إليه، وألهم مَن أراد سعادتها تقواها، فسعت إليه. { قد أفلح مَن زَكَّاها } أي: فاز بكل مطلوب، ونجا مِن كل مكروه مَن طَهَّرَها وأصلحها وجعلها زكيةً بالإيمان والطاعة، { وقد خاب مَن دسَّاها } أغواها، قال عكرمة: " أفلحت نفس زكّاها اللهُ، وخابت نفس أغواها الله " ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبد.

السابقالتالي
2