الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { الأعرابُ } ، وهم سكان البادية، قال ابن عزيز: يقال: رجل أعرابي، إذا كان بدوياً. وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي، إذا كان منسوباً إلى العرب، وإن لم يكن بدوياَ. أهل البوادي من المنافقين هم { أشدُّ كفراً ونفاقاً } من أهل الحاضرة، وذلك لتوحشهم وقساوتهم، وعدم مخالطتهم لأهل العلم وقلة استماعهم للكتاب، { وإجدَرُ } أي: أحق { ألاّ يعلموا حدود ما أنزل اللَّهُ على رسوله } من الشرائع وفرائضها وسننها، لبُعدهم عن مجالس العلم، { والله عليمٌ حكيم } يعلم كل واحد من أهل الوبَر والمدَر، حكيم فيما يدبر من إسكان البادية، أو الحاضرة، ويختار لكم واحد بحكمته البالغة ما يليق به، وسيأتي بقية الكلام على سكنى الحاضرة أو البادية في الإشارة، إن شاء الله. { ومن الأعراب من يتخذ } أي: يعدُ { ما ينفقُ } من الزكاة وغيرها في سبيل الله، { مَغرَماً } أي: غرامة وخسراناً إذ لا يحتسبه عند الله، ولا يرجوا عليه ثواباً، وإنما ينفقه لرياء أو تقية، فيثقل عليه ثقل المغرم الذي ليس بحق، { ويتربصُ بكم الدوائرَ } أي: دوائر الزمان ونُوبه، أو ينتظر بكم مصائب الزمان، لينقلب الأمر عليكم فيتخلص من الإنفاق الذي كلف به. قال تعالى: { عليهم دائرةُ السَّوْءِ } ، وهو دعاء عليهم بنحو ما يتربصونه ـ أي: عليهم يدور من الدهر ما يَسُوؤهم أو جعل الله دائرة السوء نازلة بهم. قال ابن عطية: كل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله ـ عز وجل ـ فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء لأن الله تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قَبضته، ومن هذا قوله:ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1]،وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [المطففين: 1]، وهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى. هـ. أو إخبار عن وقوع ما يتربصونه عليهم. قال البيضاوي: الدوائر في الأصل: مصدر أضيف إليه السوء للمبالغة، كقولك: رَجلُ صدق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " السُّوء " هنا، وفي الفتح بضم السين. هـ. { والله سميعٌ } لما يقولونه عند الإنفاق { عليم } بما يضمرونه من الرياء وغيره. ثم ذكر ضدهم، فقال: { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذُ ما يُنفق } أي: يعد ما ينفقه من الزكاة وغيرها { قرباتٍ عند الله } تُقربهم إليه زلفى لإخلاصهم فيها. { وصلواتِ الرسول } أي: ويتخذ ما ينفق سبَبَ صلوات الرسول لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يدعو للمتصدقين، ويقول: اللهم صل على فلان، ويستغفر لهم. ولذلك سُن للمصدّق عليه أن يدعو للمتصدق عند أخذ صدقته، ولكن ليس له أن يصلي عليه، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم لأن ذلك منصبه، فله أن يتفضل به على غيره. { ألا إنها } أي: نفقاتهم، { قُربة لهم } تقربهم إلى حضرة ربهم، وهذا شهادة من الله لصحة معتقدهم وكمال إخلاصهم، { سَيُدخلهم اللهُ في رحمته } ، وعدٌ من الله لهم بإحاطة الرحمة بهم، أو سيدخلهم في جنته التي هي محل رحمته وكرامته، والسين لتحقيق وقوعه.

السابقالتالي
2