الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قلت: جواب " إذا " يحتمل أن يكون تولوا، وجملة قُلتَ: حال من الكاف في أتوك، أي: أتوك قائلاً لا أجد... الخ، ويحتمل أن يكون الجوابُ: " قلتَ " ، وتولوا استئناف لبيان حالهم حينئذٍ، ومن الدمع: للبيان، وهي مع المجرور، في محل نصب على التمييز، فهو أبلغ من تفيض دمعُها لأنه يدل على أن العين صارت دمعاً فياضاً، وحزناً: علة، أو حال، أو مصدر لفعل دل عليه ما قبله، ألا يجدوا: متعلق به، أي: حزناً على ألاّ يجدوا ما ينفقون، و إنما السبيل راجع لقوله: ما على المحسنين من سبيل. يقول الحق جل جلاله: { ليس على الضعفاءِ } كالهرْمى، { ولا على المرضى } كالزّمْنَى ومن أضناه المرض، { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } في الغزو { حَرَجٌ } أي: لا حَرج على هؤلاء في التخلف عن الغزو، { إذا نَصَحوا الله ورسوله } بالإيمان والطاعة في السر والعلانية. قيل: نزلت في بني مُقرن، وهم ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل في عبد الله بن مُغفل. { ما على المحسنين من سبيل } أي: ليس عليهم جناح، ولا إلى معاتبتهم سبيل، وإنما وضع المحسنين موضع المضمر للدلالة على أنهم منخرطون في سلك المحسنين، غير معاتبين في ذلك، { والله غفور رحيم } بالمسيء فكيف بالمحسنين؟ { ولا على الذين إذا ما أتُوكَ لتحملَهم } معك إلى الغزو، وهم البكاؤون سبعة من الأنصار: مَعقِل بن يَسَار، وصَخْر بن خنساء، وعبد الله بن كعب، وسالم بن عُمَيْر، وثَعْلَبَة بن غَنَمة، وعبد الله بن مُغفَّل، وعُلْية بن زيد. أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المَرْقُوعة والنِّعال المَخْصُوفَة، نغزو معك، فقال: لا أجد، فتولَّوا وهم يبكون. وقيل: هم بنو مُقَرِّن، وقيل: أبو موسى وأصحابه، وعليه اقتصر البخاري. { قلت لا أجِدُ ما أحملكم عليه } وليس عندي ما أحملكم عليه، { تولَّوا } عنك { وأعيُنهم تفيضُ من الدمع } أي: يفيض دمعها { حزناً } على { ألا يجدوا ما يُنفقون } في غزوهم. زاد البخاري: فلما رجع أبو موسى وأصحابه، أُتي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بِنَهَب إبل، فدعاهم وحملهم عليها، فقالوا: يا رسول الله، إِنَّكَ حَلَفتَ أَلا تِحْمِلنَا، فخفنا أن نكون أغفلناك يمينك، فقال: " ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإنِّي والله، ما أحْلِفُ على يَمِينٍ فَأرَى خَيْراً مِنْها إلا كَفّرْتُ عن يَمِيني وأَتَيتُ الذي هُوَ خَيْر ". أو كما قال عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: { إنما السبيلُ } أي: الحرج والمعاتبة { على الذين يستأذنونك } في القعود، { وهم أغنياء } واجدون للأهبة، { رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالِف } كالنساء والصبيان، وهو استئناف لبيان ما هو السبب لاستثنائهم من غير عذر، وهو رضاهم بالدناءة، والانتظام في جملة النساء والصبيان إيثار للدعة والكسل، { وطَبَعَ اللَّهُ على قلوبهم } بالكفر والغفلة حتى غفلوا عن وخامة العاقبة، { فهم لا يعلمون } ما يؤول إليه حالهم من الندم والأسف.