الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

يقول الحق جل جلاله: { وإذا أنزلت سورة } ، أو بعضها، في شأن الجهاد قائله: { ان آمنوا بالله } وحده، { وجاهدوا مع رسوله } صلى الله عليه وسلم، { استأذَنَكَ } في التخلف { أُولو الطَّولِ منهم } أي: أولو الغنى والسعة، { وقالوا ذَرْنَا نكن مع القاعدين } الذين قعدوا لعذر، { رَضُوا بأن يكونوا مع الخوالِف } مع النساء، جمع خالفة، وقد يقال: الخالفة للذي لا خير فيه. { وطبع على قلوبهم } بالكفر والنفاق، { فهم لا يفقهون } ما في الجهاد وموافقة الرسول من السعادة، وما في التخلف عنه من الشقاوة. { لَكِنِ الرسولُ والذين آمنوا معه جاهدُوا بأموالهم وأنفسهم } أي: إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم، { وأولئك لهم الخيراتُ } منافع الدارين: النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة، وقيل: الحُور، لقولهفِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [الرحمن: 70]، و { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالمطالب البهية والمراغب السنية. { أعدَّ اللَّهُ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } بيان لبعض الخيرات الأخروية. الإشارة: إذا ظهر الدعاة إلى الله يُشوقون الناس إلى حضرة الله ترى من صُرِفَ عنه عِنَانُ العناية، ولم يضرب له مع السابقين بسهم الهداية، يميل إلى التقاعد إلى وطن الراحة، والميل إلى ما ألفه من سيئ العادة، يستأذن أن يتخلف مع النساء والصبيان، ويتنكب طريق الأقوياء من الشجعان، فإن تخلف هذا مع عوام الضعفاء فقد تقدم لهذا الأمر من يقوم به من الأقوياء، اختارهم الله لحضرته، وقواهم على مكافحة مشاهدته ومحبته، جاهدوا نفوسهم في معرفة محبوبهم، وبذلوا أموالهم ومهجهم في الوصول إلى مطلوبهم، { وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون }. ثم ذكر اعتذار الأعراب، فقال: { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ }.