الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ }

قلت: إنما وحّد الضمير في يُرضوه إما لأن رضى أحدهما رضى الآخر، فكأنهما شيء واحد، أو لأن الكلام إنما هو في إيذاء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإرضائه، فذكر الله تعظيماً لجانب الرسول، أو لأن التقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك فهما جملتان. والضمير في أنه من يُحادِدِ: ضمير الشأن: وفأن: إما تأكيد لأن الأُولى، وجملة فله: جواب، أو تكون بدلاً منها، أو في موضع خبر عن مبتدأ محذوف، أي: فحقٌ، أو واجب له نار جهنم. يقول الحق جل جلاله: { يحلفون بالله } أي: المنافقون، { لكم } أيها المؤمنون، حين يعتذرون في التخلف عن الجهاد وغيره، { ليُرْضوكم } أي: لترضوا عنهم وتقبلوا عذرهم، { واللَّهُ ورسولهُ أحقُ أن يرضُوه } بالطاعة والوفاق، واتباع ما جاء به، { إن كانوا مؤمنين } صادقين في إيمانهم. { ألم يعلموا أنه } أي: الأمر والشأن، { من يُحادِدِ اللَّهَ ورسولهُ } يعاديهما، ويخالف أمرهما { فأنّ له } فواجبٌ أن له { نارَ جهنم خالداً فيها ذلك الخزيُ } أي: الهول { العظيم } ، والهلاك الدائم، والعياذ بالله. الإشارة: من أرضى الناسَ بسخط الله أسخطهم عليه وسخط عليه، ومن اسخط الناس في رضي الله أرضاهم عليه، ورضي عنه، فمن أقر منكراً حياء أو خوفاً من الناس، فقد أسخط مولاه، ومن انكر منكراً، ولم يراقب أحداً فقد أرضى مولاه، ومن راقب الناس لم يراقب الله، ومن راقب الله لم يراقب الناس، { والله ورسوله أحق أن يُرضُوه إن كانوا مؤمنين }. وتأمل قول الشاعر:
مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ غَمّاً وفَازَ باللذاتِ الجسُور   
وبالله التوفيق. ومن أخلاقهم أيضاً: الخوف من الفضيحة، والاستهزاء بالدين، كما أبان ذلك بقوله: { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ }.