الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول الحق جل جلاله: { فإذا انسلخ الأشهر } أي: انقضى الأشهر، { الحُرم } وهي الأربعة التي امهلهم فيها، فمن قال: إنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فهي الحرم المعروفة، زاد فيها شوال، ونقص رجب، وسميت حرماً تغليباً للأكثر، ومن قال: إنها ذو الحجة إلى ربيع الثاني، فسميت حرماً لحرمتها ومنع القتال فيها حينئذٍ. وغلط من قال: إنها الأشهر الحرم المعلومة لإخلاله بنظم الكلام ومخالفته للإجماع لأنه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم. انظر البيضاوي. فإذا انقضت الأربعة التي أمهلتهم فيها { فاقتلوا المشركين } الناكثين { حيث وجدتموهم } من حل أو حرم، { وخُذوهم } أسارى، يقال للأسير: أخيذ، { واحصروهم } واحبسوهم { واقعدوا لهم كل مرصد } كل ممر وطريق لئلا ينبسطوا في البلاد، { فإن تابوا } عن الشرك وآمنوا، { وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } تصديقاً لتوبتهم وإيمانهم { فخلوا سبيلهم } أي فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشيء من ذلك. وفيه دليل على ان تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله، بل يقاتل كما فعل الصديق رضي الله عنه بأهل الردة. والآية: في معنى قوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أُقَاتِل النَّاس حتَّى يَقُولوا لا إله إلا الله، ويُقيموا الصَّلاة ويُؤتوا الزَّكَاةَ... " الحديث. { أن الله غفور رحيم } ، هو تعليل لعدم التعرض لمن تاب، أي: فخلوهم لأن الله قد غفر لهم، ورحمهم بسبب توبتهم. الإشارة: فإذا انقضت ايام الغفلة والبطالة التي احترقت النفس فيها، فاقتلوا النفوس والقواطع والعلائق حيث وجدتموهم، وخذوا أعداءكم من النفس والشيطان والهوى، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد يتعرضون فيه لكم، فإن أذعنوا، وانقادوا، وألقوا السلاح، فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم. ولما أمر بقتال المشركين وأخذهم أينما ثُقفوا، استثنى من أتى بطلب الأمان، فقال: { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }.